Saturday 29 December 2012

خيبة أمل متبرع كريم

ترجمة عن الإنچليزية من مدونة "وكالة أنباء العربي الغاضب"، نشرت يوم الجمعة في الثامن والعشرين من كانون أول لسنة 2012.
من سامي:
"التقيت في نهاية الأسبوع الماضي بأحد أصدقاء الأسرة (وهو من رجال الأعمال)، وقد عاد منذ عهد قريب من فلسطين، وكان قد اجتمع بمبادرته، بالسيدة ليلى غنام محافظة رام الله وجوارها، واقترح عليها أن يتبرع بنفقات إقامة عيادة استقبال حديثة في رام الله، مزودة بأحدث الأجهزة الطبية، لخدمة أبناء شعبه من المرضى والمصابين، وذلك إحياءً لذكرى أحد أفراد أسرته الذي توفي في الآونة الأخيرة".
رفضت المحافظة العرض السخي بذريعة أن السلطة ليس لديها الأطبّاء المؤهَّلين، المدرَّبين لاستعمال الأجهزة الطبية الحديثة، وليس لديها المال اللازم لتدريبهم.
يتساءل الكاتب بحق: ترى ماذا تفعل السلطة بالأموال التي تقدمها الجهات المختلفة لها، بالإضافة لأموال الضرائب التي تجبيها، إذا كانت لا تستطيع أن توفر الخدمة الصحية التي تنقذ حياة المواطنين؟ 
لم يقنط الرجل من جواب المحافظة  وسعى للاتصال مع بعض كبار المسؤولين في وزارة الصحة الذين وافقوا على المشروع شرط أن تقدم لهم أسرة الفقيد المال ليشرفوا هم على إنفاقه!!! فعادت الأسرة الكريمة من حيث أتت، تجر ذيول الخيبة والأسف. 
يضيف سامي: من الجدير بالذكر، أن ليلى غنام التي أصبحت من الزوار الدائمين للفضائيات لأنها المحافظة الأولى في فلسطين، هي من قرية دير دِبوان، حيث يفعل والدها داوود وأخوها محمد، المسؤول في جهاز استخبارات السلطة، كل ما يطيب لهما دون حسيب أو رقيب، وقد قام مجهولون بحرق سيارة العميد محمد غنام في شهر كانون ثاني من هذا العام 2012 فاتَّهم المستوطنين بحرقها بينما سرت إشاعات في القرية أن الذين أضرموا النار في السيارة هم من سكان القرية انتقاما من أسرة غنام التي تسيء استخدام نفوذها. 


Tuesday 25 December 2012

رأي في الشعر

رأي في الشعر

أُجِلُّ القَولَ بالأَوْزان مُحْكَم                           إذا ما جاء من فَذٍّ ومُلهَمْ
تَفيضُ به قَرائحُ صافياتٌ                             بِلَفْظٍ غَيرِ مَمسوخٍ ومُبْهَمْ
له في السَّمع وَقْعٌ مُسْتَحَبٌّ                           وللألبابِ منه خير مَغنَمْ
وتبدو في حَواشيه القَوافي                           كَحَفنَةِ لُؤلُؤٍِ بِالسِّلْكِ تُنْظَمْ
به  مِن ذاتِهِ سِحرٌ عَجيبٌ                              كَلَوحَةِ خالِقٍ بِالزَّهرِ تُرسَمْ
ويُهدي نَشوَةً ويُفيدُ ذهنا                              كَخَمرَةِ بابَلٍ عُلَّت بِبَلسَمْ
يهذِّبُ أنفُساً ويَزينُ نَطقاً                              ويرشدُ حائراً بِالهَمِّ مُفعَمْ
يُزيلُ الكربَ من قلبٍ شَجِيٍّ                           كَترياقٍ شَفَى من سُمِّ أَرقَمْ
فتَحفَظه الرُّواة بلا عَناءٍ                                لِحُسْنِ السَّبْكِ واللَحنِ المُرَنَّمْ
وليسَ يُعَدُّ شعراً ما سِواه                             ولَو رامَ السَّماءَ بِكُلِّ سُلَّمْ
وليس يعد شعراً نَسجُ قَومٍ                             بِلا نَسَقٍ كَبِنيانٍ مُهَدَّمْ       
ولكن عجزهُم بالنظم أَملَى                             سُطوراً لا تُساوي قَيْدَ دِرْهَمْ

عصام زكي عراف
معليا
الجليل الغربي
في العاشر من تشرين ثاني \ نوڤمبر 2010

تحية الأحرار

تحية الأحرار


«تحت عنوان “سائليني يا شآم”، وبمناسبة الاحتفال بدمشق “ عاصمة للثقافة العربية 2008”، أقام مركز “تواصل”  الثقافي، مساء الجمعة 2008-9-19، أمسية ثقافية فنية في مبنى “بيت الشعب” في “بقعاثا” وقد أوحى لي ذاك اللقاء بالأبيات التالية. من الجدير بالذكر أن مطلع القصيدة مستوحى من قصيدة حافظ إبراهيم “لمصر أم لربوع الشام تنتسب”:

لِذُرَى الجليل أمِ الجولان تَنتَسِبُ                هنا العُلَى وهناك اليُمنُ والأدبُ
منازلٌ لبني معروف يقطُنُها                     أشبالُ عُربٍ بهم قد عزَّت العربُ
فُرسانُ صِدقٍ وإفضالٍ ومَكرُمَةٍ                 فِعالُهِم في ذُرَى الجَوزاء تُكتَتَبُ
الحَزمُ والعَزمُ والمعروفُ رائِدُهُم                غَيرَ المَحامِدِ والأمجاد ما كَسِبوا
الحِلمُ والجودُ من أدنَى طَبائعهم               وللتَّواضُعِ في عَليائهم نَسَبُ
التَمَّت جُموعُهُمُ في يوم مَأثَرةٍ                   يغلي بداخِلها كالمِرجَل الغَضَبُ  
تُهدي السَّلامَ لِأهلٍ في دمشق وقد             عَزَّ الوُصولُ وَحالَت بينهم حُجُبُ
جُدرانُ شَوكٍ بناها البَغيُ عن كَثَبٍ             كَيْما تُذِلُّ وتَستَعدي وتَغتَصِبُ
خَسِئتَ يا بَغيُ ما لانَت قَناتُهُمُ                  على الدُّهور ولا كَلَّت لَهُم عُضُبُ
الشّام عَمَّتُهُم والقدسُ خالَتُهُم                   تَفديهُما مُنهُمُ الأرواحُ والنَّشَبُ
سُلطانُهُم في جَبينِ الدَّهرِ مَفخَرةٌ               تَسري على هَديِهِ الأجيالُ والحِقَبُ
زانَت مَناقِبُهُ شُمَّ الجِبالِ وقد                    سارُ الحداة بها فاهتَزَّت السُّحُبُ
وكم له في جِلادِ الظالمين يَدٌ                     تروي مَآثرَها النَّبعاتُ والقُضُبُ
تاهَ الشّآمُ لِما أَبلَت كَتائِبُهُ                         واختالَ في ذِكرِها الأقلامُ والكُتُبُ
يا قوم هُبّوا فهذا الشَّرقُ في خطر              عاثَ الغُزاةُ به واستَفحَلَ السَّلَبُ
ما كان للبَغيِ أن يُزري بِأُمَّتِنا                   إذا الأهَلِّة شدَّت أزرَها الصُّلُبُ


عصام زكي عراف 
 معليا
الجليل الغربي  



الاستعلاء والغطرسة وليس الدين - لشلوموه زاند



  على مدى أربعة أيام عاشت مدينة عكا أحداثا غير عادية. كانت الشرارة حادث عرضي أثاره دخول مواطن من المدينة يدعى توفيق الجمل بسيارته إلى الحي الذي تسكنه غالبية من اليهود المتدينين في يوم الغفران الموافق 8-10-2008، مما أثار حفيظتهم  وأدَّى الى رجم سيارته بالحجارة وتطويق البيت الذي لجأ اليه من قبل مئات المتدينين اليهود. سرت بعد الحادث إشاعات أن السائق قد قتل، أعقبت موجة من  الغضب من جانب الشباب العرب الذي هرع للمكان وقام بتحطيم واجهات الحوانيت وحرق السيارات. ولم يقف الطرف الآخر مكتوف اليدين، بل ردّ بالمثل من خلال الإقدام على حرق ثلاثة بيوت من سكان الحي الشرقي للعرب على مدى ثلاثة أيام متتالية – الطرف الوحيد الذي لم يحرك ساكنا كان الشرطة التي عجزت عن القضاء على العنف.
إثر تلك الأحداث المؤلمة كتب صديقي المؤرخ شلوموه زند مقالا وأرسله إلى الصحف العبرية فأحجمت جميعها عن نشره، (كما فعلت من قبل مع مقال آخر) فأرسله إلي مع ملاحظة جاء فيها:
"مقال آخر، قوبل بالرفض"، فترجمته ونشرته في موقع عرب ٤٨ تحت عنوان:

الاستعلاء والغطرسة وليس الدين

منذ بزوغ فجر الأنظمة الديمقراطية الليبرالية في الدول الغربية، انحسرت الطقوس والشعائر الدينية - التي قد تمس بشعور الآخرين - عن الأماكن العامة وانحصرت في دور العبادة والأماكن الخاصة، بينما حرصت المؤسسات المدنية للدولة على الابتعاد عن تلك الأماكن. كانت الغاية من ذلك الفصل، الحؤول دون الاحتكاكات التي ظلت على مر العصور، ولقرون طويلة، تشعل الفتن وتأجج العداوات، التي سُفكت دماء الكثير من البشر بسببها، وألحقت الدمار الذي يعرفه كل من درس التاريخ. من سوء حظنا أن الكثير من الدول والمجتمعات لم تنجح في تطبيق هذه الممارسات الرشيدة، لكنها تظل المثل الأعلى في التّنَوُّر الذي يجب أن يُسعَى إليه ليسود العلاقات بين البشر في كل مكان وزمان. 

حيث أن الحركة الصهيونية دعت منذ نشأتها إلى إقامة وطن لليهود الذين يعيشون في مختلف أصقاع الأرض، وهم في الواقع من أصول مختلفة ولا يجمع بينهم سوى الدين، فقد كان على القيادة الإسرائيلية أن تضفي شيئا من الصبغة الدينية على الدولة، في الوقت الذي كانت الغالبية العظمى من تلك القيادة علمانية محض، وذات ميول اشتراكية، والدليل على ذلك أن القرى الزراعية التي أقامها المستوطنون اليهود كانت قرى تعاونية اشتراكية تخلو من الملكية الفردية، إذ أن أعضاءها لم يملكوا في الواقع سوى ملابسهم وبعض لوازمهم الشخصية، حتى أن أطفالهم كانوا ينامون في مهجع مشترك وليس مع ذويهم. لذلك أصبحت دولة أسرائيل دولة علمانية في حقيقتها، تحاول أن تبدو دينية في ظاهرها كما وصفها المفكر اليهودي المعروف يشعياهو ليبوڤيتش.

يوم الغفران - حسب التقاليد الدينية اليهودية - هو كاسمه: يوم توبة واستغفار، يوم مقدس، يصوم فيه اليهودي عن الطعام والشراب ويصلي ويتألم من أجل غفران خطاياه وتطهير نفسه. منذ إقامة دولة إسرائيل، صار يوم الغفران أحد الأعياد الرسمية وخلال العقود الستة لوجودها أضيفت إليه معان أخرى.

في عيد الغفران الماضي، جمع سوء الحظ بين توفيق جمال وبين ما يتوهم عامة الناس أنه القبضة الفولاذية لـ "العقيدة اليهودية" في عكا، المدينة المختلطة، حين ركب سيارته في ساعة متأخرة من الليل ليحضر ابنته إلى البيت من بيت خطيبها. كانت تلك "خطيئة" لا تغتفر في نظر القوزاق اليهود الجدد، فرجموه بالحجارة، والآن تحاول دولة إسرائيل إتمام القصاص الذي بدأ به القوزاق المارقون على القانون بتقديم توفيق جمال للمحاكمة.

المستغرب في الأمر هو أن "الجريمة" التي يستحق توفيق جمال القصاص بسببها هي أمر مألوف في المدن اليهودية في يوم الغفران، حيث تتحول الشوارع الخالية من السيارات والأماكن العامة إلى حلبات واسعة للهو للآلاف من الصبية والفتية اليهود يركبون فيها دراجاتهم ويستمتعون باستيلائهم على الشوارع التي خلت من السيارات. كيف يجوز إذن، اتهام توفيق جمال بالمس بالشعور الديني لليهود؟
إذا كان الأمر يتعلق بتطبيق الشريعة اليهودية، يحق لنا أن نتساءل:
"لماذا لا يعتبر استعمال الفتية اليهود للدراجات في المدن اليهودية مخالفة تسيء إلى المشاعر الدينية لأبناء ملتهم، يستحقون العقاب عليها أسوة بتوفيق جمال؟"
سؤال آخر لا بد منه:
"ألا يعتبر قذف اليهود "الخُلَّص" للحجارة وتحطيمهم لواجهات المحلات التجارية في الشوارع والأماكن العامة على الملأ إهانة وإساءة مدوية لشعائر العيد المألوفة منذ القدم حيث يقوم المؤمن بتواضع بطلب الغفران من ربه؟"
لن تستطيع الشرطة ولا المدعي العام الإجابة على هذين السؤالين، لأن ذلك من اختصاص المراجع الدينية اليهودية، غير أنها مهما قضت في الأمر فإنها تفتقر إلى السلطة التي تستطيع أن تفرض تطبيقه.

ما حدث في عكا سنة 2008 لم يكن إساءة لمشاعر اليهود الدينية. لا يشعر اليهود الذين يعيشون في كثير من دول العالم خارج إسرائيل بأن جيرانهم من غير اليهود يسيئون إلى شعورهم الديني عندما يركبون سياراتهم ويمارسون شؤونهم الحياتية المعتادة. كما أنهم لا يرجمونهم بالحجارة ولا يشعلون النار في بيوتهم، كما حدث في عكا.

لم يكن الذي حدث في عكا إيذاءا للشعور الديني لليهود ولكنهم اعتبروه تحديا لشعور الاستعلاء الذي هو من نصيب الأكثرية اليهودية، في دولة تعتبر نفسها كيانا خاصا، يملكه جميع اليهود في العالم وليس ملكا لجميع مواطني الدولة وخمسهم من العرب.

لذي أثار حنق أولئك اليهود هو تشبث ابن البلاد العربي وهو المواطن الأصلي، بحقه الطبيعي في التنقل بحرية في وطنه، لأن هؤلاء اليهود لا يقرون بحقه في في هذا الوطن. هم يعتقدون أن على العربي أن يُرسِّخ في ذهنه أنه يقيم في وطنه بفضل أسياد البلاد اليهود الذين يفرضون عليه هيمنتهم بواسطة النفاق الذي يدعونه الحساسية الدينية، كلما طاب لهم ذلك. من سخرية القدر، أن اليهود تعلموا هذه الممارسات من مضطهديهم في شرق أوروبا.

أحداث عكا يمكن أن تكون مقدمة لشر مستطير لا تحمد عقباه. تزعم دولة إسرائيل على الملأ أنها ليست دولة الفلسطينيين المقيمين فيها، في الوقت نفسه، تطلب منهم أن يحترموا الرموز والأعياد التي يستثنون منها وأن يحترموا ويذعنوا صاغرين لكل ما تمليه عليهم السلطة اليهودية.
كلنا نعلم أن تهويد الجليل قد فشل، ولكننا لا نعلم على وجه اليقين، ما إذا كانت هذه السياسة ستؤدي إلى مطالبة الأكثرية العربية في الجليل بحقها الطبيعي بالحكم الذاتي. هذا هو الكابوس الحقيقي الذي يجب أن يقض مضاجع المسؤولين عن سياسة التفرقة العنصرية في إسرائيل.  

إلى الصديق مروان عساف

إلى الصديق الدكتور مروان عساف، طبيب الأسنان 


ألمٌ شديدٌ حَلَّ في أسناني             فذهبتُ هَرْوَلَةً إلى مَروانِ
شَهِدَ الجميعُ لِعلْمِهِ ولطِبِّهِ              وجَرَت مَحامِدُهُ بِكُلِّ لِسانِ   
يَلقاكَ بِالوَجهِ البَشوشِ مُرَحِّباً          فَيزُيلُ عنكَ غَلالَة الأحزانِ
ويُعالِجُ الضِّرسَ المُصابَ بِرِقَّةٍ         فَيصيرُ صَلباً مِثلَ ما الصَّوانِ
ويعود برَّاقاً سَليماً ناصِعاً             يُبدي ابتسامةَ سابِقِ الأزمانِ

عصام زكي عراف
في الثلاثين من آب لسنة 2010    

Monday 24 December 2012

عظة الميلاد - لمارون عبود

عظة الميلاد، لمارون عبود

"الحق الحق أقول لك، إن من لم يولد الإنسان ثانية فلا يقدر أن يعاين ملكوت الله". 

العظة التالية أوردها الكاتب المعروف مارون عبود، في أقصوصة له سماها "وعظة وديك"، بعد أن حل من خلال عمله الحكومي، على قرية في إحدى جبال كسروان في شتاء عام 1917، وهو عام المجاعة التي فتكت بالالاف من اللبنانيين وغيرهم خلال الحرب العالمية الأولى، ليجد أن كاهن تلك القرية ويدعى إبراهيم، ليس سوى أحد زملائه في مدرسة الحكمة في ما مضى. سقط الثلج غزيرا، فحبسه في تلك القرية لعدة أيام حل خلالها عيد الميلاد. بعد إلحاح من زميله، ذهب الكاتب لحضور قداس منتصف الليل في كنيسة القرية، حيث استمع إلى عظة الميلاد من فم ذلك الزميل فنقلها في أقصوصة شيقة، والحق يقال، إن مارون عبود، من أبرع كتاب القصة والأقصوصة، بالإضافة إلى نقده الاجتماعي والسياسي والأدبي الرصين ودراساته وترجماته الكثيرة، كما أنه شاعر مقل، وقد دعا وليده البكر محمد، وهو الماروني العتيق، ليكون لنا قدوة في التعالي فوق الطائفية البغيضة، وقد قرأت جميع مؤلفاته دون استثناء، فسعدت وأفدت بقراءتها.

عظة الخوري إبراهيم في عيد الميلاد:

يا إخوتي المباركين،
عيد الميلاد هو عيد ولادة البشر كل عام، كما قال الرب يسوع لنيقوديمس: "الحق الحق أقول لك، إن من لم يولد الإنسان ثانية فلا يقدر أن يعاين ملكوت الله.
فأجاب نيقوديموس: "وكيف يمكن هذا؟
فأجاب الرب يسوع: "أنت معلم إسرائيل وتجهل هذه؟"
أتعلمون ماذا أراد المعلم؟
إن المعلم يريد أن نولد بالروح، أن نولد بالرجاء، أن نولد بالمحبة، أن أن نولد كل عام بتعاليمه، ولو تحققت هذه الولادة لما كانت هذه الحرب العالمية.
إن هيرودس وبيلاطس وقيافا يبرزون كل عام إلى الميدان ليحولوا دون هذا الميلاد، كما أرادوا قتله في ذلك الزمان. يريدون إطفاء سراج الإنجيل الذي خلق عالما جديدا. لا أدري ما أقول عن الهيرودسيين والبيلاطسيين أعداء السلام المسيحي الذي ولد في مثل هذا اليوم، الذي لا حياة للدنيا بدونه.
لا أحدثكم عن يسوع الإله، بل عن يسوع ابن الإنسان، فأقول لكم إن عيد ميلاده، هو عيد ميلاد حقاً، ولحكمة فائقة جعلته أمنا الكنيسة المقدسة في هذا اليوم. إن الطبيعة التي قال لها كوني فكانت، تولد اليوم. أليس الشتاء كالميلاد؟ والربيع مثل الشباب؟ والصيف كالكهولة؟ والخريف مثل الشيخوخة؟ أليست الشمس تولد اليوم من جديد فتصعد إلى أعالي القبة؟ وكذلك النهار، فهو ينمو مع السيد، ومعنى هذا، ميلاد النور والحق والحياة.
ثم التفت نحوي وقال كالمتوجع: "آه من البشر! كل شيء يتجدد مع الميلاد إلا الإنسان، الإنسان لا يريد أن يولد مع المعلم، لا يريد أن يفهم معنى الميلاد الحقيقي، إن الحيوانات كانت أرأف بالطفل من البشر، الحيوانات أعطته كل ما تملك، ومن كل قلبها، أعطته جزءاً من نفسها، أي حرارة تدفئه، بينما ملوك العالم، أي المجوس، أعطوه من فضلاتهم، مرا وذهبا ولبانا، نعم، إن سجود هؤلاء الملوك السحرة له، هو اعتراف بعهد جديد، عهد حرية بني الإنسان، عهد تغلُّب الحق على الشعوذة، ولكن ما حاجة يسوع إلى ذهبهم وهو القائل: "يا بني، أعطني قلبك؟". إن زعماء البشر أعطوه المال الذي أبغضه وداسه ولم يعطه من قلبه ونفسه إلا البهائم فكانوا خيرا منا. الحيوان يكتفي بقتل حيوان، أما الإنسان فيقتل إخوانه جملة ولا يكتفي. ألا ترون هذا بأعينكم؟ أما ندفن كل أسبوع أربعة أو خمسة؟
يا إخوتي، هل تعلمون لماذا سمَّى يوحنا الحبيب، الطفل يسوع كلمة الله؟ إن في ذلك سرا عظيما، فالكلمة هي سر السلام، سر المسرَّة، سر الرجاء الصالح. ألا يقول المثل: "من وطَّأ كلمة، وطَّأ جبلا؟ ولو نبتت كلمة الله في قلب هيرودس وبيلاطس لما كان الشر الذي نلقى غبَّه اليوم.
إن الطفل الذي نحتفل بعيد ميلاده اليوم، هو الدائرة التي تضم في قلبها الإنسانية كلها، وإن خرجت الإنسانية منها، أكل بعضها بعضا كالوحوش الضارية، والبرهان ما ترون وما تسمعون، فكما يخلق البرق والرعد الكمأة في الصحراء، كذلك تخلق فينا كلمة الله المحبة، وحيث تكون المحبة يكون الإيمان، وحيث يكون الإيمان كان الرجاء والسلام.
إن النجم الذي قاد المجوس إلى المغارة، هو رمز الإنجيل الذي قاد العالم إلى ميناء السلام والاطمئنان، ويا ليت هذا النجم يطلع كل عام في سماء الإنسانية، ليهديها إلى القناعة، فمغارة الميلاد استحالت قلعة محصنة بالرشاشات والمدافع والقنابل، وشجرته أمست كتلك الشجرة الهندية التي يقولون إنها تأكل البشر، وكل هذا من ظلم هيرودس، وطمع بيلاطس، وجشع يوحانان، وأنانية قيافا، وفتور إيماننا نحن، فيا ليت الملوك يولدون مع المسيح لتستريح الإنسانية المعذبة، الجائعة العارية. إن النفوس التي اشتراها المسيح، صارت عندهم أرخص من الزبل.
أيها الأحباء!
إن الميلاد يجب أن يتجدد في كل مكان، في البيوت، وفي المدارس، وفي الحكومات، وبدون ذلك لا تتقدم البشرية.
سمعنا أن المتحاربين يكفون عن القتال في مثل هذا اليوم إكراما للميلاد، ولو كانوا يولدون معه، لألقوا سلاحهم تحت قدميه.
فاجعل يا ربنا وإلهنا، ميلادك ميلادا حقيقا، وانهِض الإنسانية من سقطتها، إنك أرحم الراحمين، آمين.
ويختم مارون عبود قصته قائلا:
وانتقلنا بعد القداس إلى بيت أبينا الخوري. وفي ما نحن نأكل ديك الميلاد ونشرب عليه خمرة لم يذق مثلها الأخطل، قال الخوري إبراهيم:
كيف وجدتني؟ فأجبته:
المحبة تخلق كل شيء، حتى البلاغة. عيد مبارك.



عصام زكي عراف
معليا، الجليل الغربي
عن موقع عرب 48

مفتاح العلوم

علوم الطبيعة

عزيزي طالب العلم،
يحكى عن الفيلسوف اليوناني العظيم أفلاطون، (427-347 ق.م.) أنه كتب فوق مدخل مدرسته هذه العبارة:
" من يجهل الرياضيات لا يدخل من هذا الباب "
هذه العبارة هي الدليل على عظمة أفلاطون وعلى ثاقب نظره .  ( أرجو أن تقرأ شيئا من كتاباته الكثيرة ) .

" الكون مبني حسب نموذج رياضي "
      هذه الكلمات للفيلسوف والرياضي البريطاني المعروف بِرتراند رَسِل  Bertrand Russell  1872-1970.  
وبكلماتٍ أخرى نقول:

 " كل ما في الكون من أشكال وحركات يمكن وصفها وعرضها بدقة بواسطة الرياضيات".
     
لعلك تتساءل ما الذي يجعلني أستهل المدخل لكتاب يعالج علوم الطبيعة بالتنبيه إلى أهمية الرياضيات؟
الجواب على ذلك هو أنّ الإلمام بالرياضيات هو المفتاح الذي لا غنى عنه ولا بديل له لدراسة علوم الطبيعة على فروعها المختلفة من هندسة وطب وكيمياء وفلك وغيرها. من يدرس تاريخ الاكتشافات في علوم الطبيعة يجد أنها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بتطور الرياضيات ، ولذا كان لا بد لي من أن ألفت النظر إلى هذه العلاقة المتينة بين الموضوعين.

" دراسة الرياضيات والطبيعيات من الأمور الصعبة ". 
كلام يكثر ترديده بين الناس عامة والطلاب خاصة، فما هي الحقيقة؟
    
قبل أن أحاول الإجابة، أود أن أورد أمامك نص رسالة بعث بها بديع الزمان الهمذاني، صاحب المقامات المشهورة، الذي كان من أئمة عصره في الكتابة، إلى ابن أخت له كان ينفق عليه من ماله ليتعلم.  كتب إليه:

" أنت ولدي ما دمت والدفتر أليفك والمحبرة حليفك، فإذا قصّرت، ولا أخالك، فغيري خالك، والسلام ".

ولا بد لي أيضاً من أن أورد ما ذكره ضياء الدين بن الأثير (وزير صلاح الدين الأيوبي) عن نفسه في كتابه "المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر" يقول: إنه بعد أن حفظ القرآن الكريم دأب على حفظ الحديث فانتقى ثلاثة آلاف حديث نسخها بيده وأخذ يقرأها مرة كل أسبوع لمدة عشر سنوات دون انقطاع حتى حفظها جميعاً عن ظهر قلب لا تفوته كلمة واحدة منها! أي أنه قرأ الأحاديث أكثر من خمسمائة مرة! وكان يحفظ من الشعر والنثر ما ساعده على أن يبلغ في كتابه المذكور ما لم يبلغه أحد قبله في نقد الشعر والنثر.

ويبقى السؤال، أين الحقيقة؟
  الحقيقة هي أنّ الكسل والتواني والنّكوص يلد الفشل والجد والاجتهاد والعزم والمثابرة تأتي بالنجاح ولقد قال توماس إديسون Thomas  Edison  1847-1931 المخترع الأمريكي المعروف الذي سجل أكثر من ألف براءة اختراع في حياته:

" واحد في المائة من العبقرية يأتي من العقل وتسع وتسعون في المائة يأتي من العرق ".

من الطبيعي أن يواجه الواحد منا شيئاً من الصعوبة عندما نبدأ دراسة مادة لا عهد لنا بها من قبل.
من الطبيعي أيضاً أن تختلف هذه الصعوبة من فرد لآخر، فقد يحتاج العازف على آلة موسيقية أن يعيد عزفها مئات المرات قبل أن يبلغ درجة الإتقان.
ما الغريب إذن في أن يعيد الواحد منا قراءة مادة ما مرة بعد مرة حتى ينجلي له ما استغلق عليه فهمه منها؟ بالعزم والإصرار والمثابرة نستطيع أن نجعل من عقولنا شعلة متوهجة  ندرك بها أسرار هذا الكون ونساهم في صنع حياة أفضل. فالتطور السريع للعلوم يقتضي منا استمرار التخصيل حتى لا نصبح بمعزل عما يدور حولنا في عصر تيسرت فيه وسائل العلم كما كثُرت فيه المهاوي التي تقود إلى الجهل.

تذكّر دائماً أن العَالم يقود والجاهل مَقود. هذا القول ينطبق على الأفراد كما ينطبق على الأمم، والتاريخ يشهد!
تذكّر أيضاً أن للعقل خاصة فريدة وهي: كلما تعلمنا أكثر كلما أصبح التعلم أيسر ، أي أن الذي يقرأ ويدرس ويجهد عقله باستمرار في اكتساب المعارف والمهارات تزداد قدرته باطراد على كسب المعرفة ، وكلما كان ذلك أبكر كان أفضل ، ومن يستسلم عقله للكسل والخمول يكون شأنه كمن أهمل آلة فيعلوها الصدأ فلا تعودتصلح للاستعمال..
لا أظنّ أن هناك إنساناً عاقلاً لا تمر بذهنه بعض هذه الأسئلة أو غيرها:
ـ كيف يتعاقب الليل والنهار؟
ـ كيف تتولّد الفصول؟
ـ كيف تتولد الحرارة في الشموس وكيف تصلنا؟
ـ كيف يتكون المطر والصواعق والندى والرياح؟
ـ كيف تعمل محركات البخار ومحركات الاحتراق الداخلي على مختلف أنواعها ؟
ـ كيف يتم توليد الطاقة الكهربائية من مصادر مختلفة وكيف تعمل الأدوات الكهربائية المختلفة الأغراض؟
ـ كيف تطير الطيور والحشرات؟ كيف تطير الطائرات، من نفاثة ومروحية، مجنحة وعمودية؟
ـ كيف يتم إرسال الصوت والصورة عبر مسافات بعيدة بمثل هذا الوضوح؟
ـ كيف تتولد الطاقة النووية من انشطار بعض الذرات أحياناً واندماج بعضها أحياناً أخرى؟
ـ كيف يتم تصوير العظام والأعضاء الداخلية للجسم؟
ـ كيف يعمل الحاسوب وكيف يُنظِّم ويوجه عمل الآلات العديدة ويتحكّم بها؟
ـ كيف تنتقل قوة الجاذبية وبأية سرعة؟
ـ لماذا تبتعد المجرات عن بعضها وهل سرعتها في تزايد أم نقصان؟
ـ ما هي الكتلة الكلية للمادة الموجودة في الكون؟
ـ هل هناك حياة على كواكب أخرى في الكون؟
ـ هل سنتمكن من القيام برحلات خارج المجموعة الشمسية ومتى؟
تساؤلات لا حصر لها بعضها نعرف الإجابة عليه وبعضها لا زلنا نبحث عن الإجابة عليه.
ما أنجزناه حتى اليوم يرجع الفضل فيه إلى ما أحرزه علماء الرياضيات والطبيعة من اكتشافات على مدى العصور، ولعل أكثر ما يميز العصر الحديث هو كثافة الأبحاث وتشعبها بعد أن أصبحت الدول تتنافس لتحتل مكان الصدارة بواسطة إنجازاتها العلمية التي وفرت لها القوة الاقتصادية والتفوق العسكري. 


من يتابع عن كثب ما يجري في السنوات الأخيرة يلاحظ أن عائدات الثروات الطبيعية لم تعد المصدر الوحيد الذي تعتمد عليه الشعوبإذ إنّ العائدات الناتجة عن التقدم العلمي أصبحت في المقدمة، والبرهان على ذلك هو الأرباح العالية التي تحققها الشركات التي تنزل إلى الأسواق كل يوم باختراعات جديدة من برامج للحاسوب ووسائل اتصال وأدوات طبية وعقاقير جديدة وغير ذلك وهو يكاد لا يحصى.


كانت الثورة الصناعية نتيجة طبيعية بل حتمية لتطور علوم الرياضيات والطبيعية في أوروبا وأتاحت لشعوبها من الأسلحة ما لم يكن معروفاً في إفريقيا وآسيا فاجتاحت شعوب أوروبا القارات الأخرى ونهبت خبراتها وتلاعبت بمصير شعوبها ولا زالت المعاناة مستمرة في كثير من بلدان العالم التي قعد بها التخلف عن صيانة واستغلال مواردها الطبيعية والبشرية.


وفي ختام هذه الكلمة أود أن ألفت نظر الطالب والمعلم إلى أمر هو في غاية الأهمية والخطورة وكان يجدر بي أن أصدّر به كلمتي هذه ألا وهو إجادة اللغة. اللغة ليست وسيلة للتعبير وحسب، بل هي أيضاً أداة للتفكير.  كلما كانت ثروتك اللغوية أكبر كلما أتيح لك أن تعبر عن نفسك بوضوح أكثر وأن لا يلتبس عليك فهم ما تقرأه أو تسمعه.  ولعل أجمل وأدق ما قرأت في فضل البلاغة ما جاء في كتاب "البيان والتبيين" للجاحظ حيث جاء:

"يكفي من حظ البلاغة أن لا يؤتى الناطق  من سوء فهم السامع ولا يؤتى السامع من سوء إفهام الناطق"
فإذا فاتك فهم هذه العبارة فلا تهدأ حتى تحيط بمعناها.

عصام زكي عراف
قرية معليا
الجليل الغربي



العرب المسيحيون وزيارة البابا

العرب المسيحيون وزيارة البابا
09/05/2009  19:17 
 
من ينعم النظر في مقال المحامي نبيل دكور، الذي نشر في موقع عرب 48 بتاريخ 4-5-2009 تحت عنوان "أين الفلسطينيون الوطنيون المسيحيون في الداخل من زيارة البابا؟"، لا يسعه إلا أن يشهد للكاتب ببراعته الفائقه في تكديس ذلك العدد الكبير من الأخطاء في مقال لا يبلغ عدد كلماته الستمائة كلمة.يريد الكاتب أن يتوجه الفلسطينيون المسيحيون إلى البابا، بصرخة استغاثة ليشفع لهم عند أرباب العزة، وأصحاب الأمر والنهي (بيبي نتنياهو وليبرمان وحاشيتهما) لكي يعيدوا الحقوق المسلوبة للمسيحيين في فلسطين.
إن تاريخ زعماء الكنيسة لا يشهد لهم على الغالب بنصرة الضعفاء والمظلومين، وما زالت أصداء تصريحات البابا الحالي عن ممارسات المسلمين تتردد، وإن خفتت قليلا. هل كان الڤاتيكان حقا، في يوم من الأيام ملاذا للمظلومين والضعفاء؟ ألم تبارك الكنيسة وتؤيد - ومعها الفاشيون والنازيون في أوروبا - القوى اليمينية بزعامة الجنرال فرانكو، خلال فترة الحرب الأهلية الإسبانية التي أحرقت الأخضر واليابس؟
هل هناك من إنسان سوي يصدِّق أن الڤاتيكان لم يكن يعلم، خلال الحرب العالمية الثانية، بالجرائم التي كان النازيون يرتكبونها ضد اليهود والغجر وغيرهم؟ أم أن رضى موسوليني وهتلر ومن لف لفهما كان أهم بكثير من دماء الأبرياء التي أريقت دون ذنب؟
أين كانت الكنيسة يوم كان الجنرال پينوشيه يرتكب الجرائم ضد أصحاب الضمير والأحرار من أبناء شعبه وغالبيتهم الساحقة من الكاثوليك؟
أين كانت الكنيسة يوم كان فرديناند ماركوس يقود نظاما مغرقا في الفساد ويرتكب الجرائم ضد أصحاب الضمير من الوطنيين والأحرار من أبناء شعبه وجلهم من أتباع الكنيسة الكاثوليكية؟
أين كانت الكنيسة يوم قتل الدكتاتور الإندونيسي سوهارتو أكثر من نصف مليون شخص من شعبه (وفيهم العديد من المسيحيين) حسب قوائم قدمتها له الاستخبارات الأميركية والبريطانية؟
أين كانت الكنائس يوم احتل سوهارتو ببركة أمريكا وبريطانيا وأستراليا سنة 1975 تيمور الشرقية وأخضع أهلها المسيحيين الكاثوليك لأسوأ أنواع الظلم والقهر، وارتكب المجازر على مشهد ومسمع من العالم؟
قائمة التساؤلات عن تغاضي الكنيسة الكاثوليكية وغيرها من الكنائس والمؤسسات الدينية المسيحية - وغير المسيحية - عن الجرائم التي ارتكبت ضد الأبرياء في كل مكان وزمان، طويلة، جدا وما ذكرته ليس سوى غيض من فيض منها.
كان الأوربيون وبالا على المسيحيين في الشرق منذ قديم الزمن. قبل الحملات الصليبية المشؤومة، كان معظم سكان بلاد الهلال الخصيب (العراق وسوريا وفلسطين والأردن ولبنان والأجزاء الجنوبية من تركيا اليوم) من العرب النصارى، وخلال سنوات ملكهم المشؤوم، تناقصت نسبة المسيحيين إلى نصف ما كانت عليه من قبل.
مثال آخر حديث العهد، لا تزال أحداثه الدامية مستمرة أمام أعيننا، هو المصير المظلم الذي آل إليه حال النصارى في العراق، وفيهم من أعرق الطوائف المسيحية في الشرق. قبل الغزو الأمريكي - الأوروبي كان في العراق أكثر من مليون مسيحي يعيشون بسلام ووئام مع باقي إخوتهم من العراقيين (كما كان حال اليهود قبل قيام الحركة الصهيونية)، وكان طارق حنا عزيز، وزير الخارجية، وهو مسيحي كاثوليكي، من رجال الدولة المرموقين لسنوات طويلة. في ظل الحراب الأمريكية والبريطانية وغيرها من الحراب "المسيحية"، تعرض المسيحيين ويتعرضون حتى اليوم إلى أسوأ حملات الاضطهاد والتنكيل والإرهاب في تاريخهم، من قتل واختطاف وتفجير لكنائسهم وبيوتهم، واعتداء على أعراضهم وممتلكاتهم، وقد فر حتى الآن ما يقرب من نصفهم من العراق والغالبية العظمى من الباقين، إن لم يكن كلهم، ينتظرون الفرصة للفرار من الجحيم الذي وضعهم فيه "إخوانهم" من المسيحيين الغربيين.
منذ ظهور البراعم الأولى للحركة القومية العربية كان العرب النصارى من أخلص دعاتها وقد تنبه الغرب والصهيونية لذلك، فوضعوا نصب أعينهم تهجير المسيحيين من الشرق العربي بشتى الوسائل، ومن أهمها زرع الفتنة الطائفية والعداوة بين المسلمين والمسيحيين، وقد أنفقت الحركة الصهيونية المال الكثير لمحاربة الجمعيات الإسلامية - المسيحية القومية التي كان يرعاها الحاج أمين الحسيني والمطران غريغوريوس حجار الملقب بمسيح الشرق ومطران العرب.
الدعوة إلى الاستغاثة بالبابا، ليست سوى دعوة إلى الاستجارة من الرمضاء بالنار، وستفوح منها رائحة الطائفية شئنا ذلك أم أبينا، فالظلم الذي لحق بالفلسطينيين لم يفرق يوما بين مسيحي ومسلم ولا بين كاثوليكي وأرثوذكسي أو ماروني ولا بين سني وشيعي أو درزي.
الكابوس الذي يقض مضجع الغرب منذ عهد بعيد هو قيام دولة تضم تحت لوائها، جميع الناطقين بالضاد، من المحيط إلى الخليج، وتتحالف مع الفرس والأتراك والأكراد والأفغان والأرمن وغيرهم لتجعل من الجميع قوة لا تسمح للغرب بالعبث بمصيرها ونهب ثرواتها، بل قد تصبح القوة الكبرى في العالم إذا ما استطاعت أن تسخر مواردها البشرية والطبيعية لخدمة شعوبها، وقد فعل كل ما في وسعه للحؤول دون قيام كيان قوي كهذا، بدءا من الوقوف في وجه إبراهيم باشا، إلى حرب القرم، إلى اتفاقية سايكس -پيكو إلى إقامة دولة إسرائيل، إلى ما نشاهده اليوم في دارفور ولبنان وكردستان وغير ذلك. يقول الكاتب القدير، مارون عبود (أبو محمد) (1886-1962)، في مقال له بعنوان "كنيسة العلم والثقافة" مخاطبا العرب حيث ما حلوا:
"
اللسان يوحدكم فاحفظوا ذكر أنبيائكم ورسلكم في قلوبكم، وهم لو عادوا اليوم لما قالوا لكم غير هذا، لا بل قالوه يوم جاؤوا. كل الديانات تعلّم الخير وتنهى عن الشر، أما البلوى فمن أكثر رعيان القطيع. متى تقاتلت الغنم على المرعى؟ أليس الرعاة هم الذين يتقاتلون؟ فاسمعوا وعوا كما قال قس بن ساعدة."
أما إذا كان الكاتب يصر على التوجه إلى البابا، فأنا لا أرى مانعا من تحرير رسالة إليه، يوقع عليها كل من يرغب بذلك من الفلسطينيين واليهود وغيرهم، يطلبون منه فيها، أن يُسمع صوته لرفع المعاناة عن أبناء شعبنا جميعا دون استثناء، ولا شك أن وقعها عندئذ سيكون أبلغ، هذا إذا قُدّر أن يكون لها وقع! من الإنصاف أن أذكر، أنّ رئيس أساقفة كانتربري، روان ويليامز، المعروف بجرأته ونزاهته، كتب مقالا في "السنداي تايمز"، في الثالث والعشرين من شهر كانون أول - ديسمبر 2006 يتهم فيه جورج بوش وتوني بلير باتباع سياسة تؤدي إلى هجرة المسيحيين من الشرق.
وفي الختام، أرى من واجبي أن ألفت نظر المحامي نبيل دكور أنني أحصيت في مقاله ما لا يقل عن مائة وعشرين خطأ في الإملاء والنحو وغير ذلك من الهفوات، وهذا كثير، بل كثير جدا، من محام ووطنيّ، لأن المحاماة توجب الدقة في التعبير، والوطنية توجب إتقان اللغة العربية!
مع تحيات
عصام زكي عراف
قرية معليا
الجليل الغربي

رحم الله عبدا قال خيرا فغنم أو سكت فسلم

رحم الله عبدا قال خيرا فغنم أو سكت فسلم (حديث شريف)

تاريخ النشر: 11/08/2008 - آخر تحديث: 09:12

تعريف جديد لنا نحن العرب النصارى أطل به علينا من على صفحات صحيفة "كل العرب" مطران طائفة الروم الكاثوليك الياس شقور، الذي زعم أن: "المسيحي أقل وطنية من المسلم". 

لم أتوقع أن يصدر هذا الكلام عن شخص قال لي في يوم من الأيام: "إذا كان المسيح جاء ليفرق بيني أنا العربي المسيحي وبين أخي العربي المسلم، فأنا أول من ينكر المسيح" 

لكي لا ألقي الكلام على عواهنه، سأحاول التعقيب على أهم إجابات المطران شقور على الأسئلة التى طرحها عليه مراسلا الصحيفة، السيدان يوسف شداد وزيدان خلايلة: 

س: كيف تقيم علاقة بطريركية الروم الكاثوليك مع بقية الكنائس؟ 

بودي أن أشير إلى أن الياس شقور هو "مطران عكا وحيفا والناصرة وسائر الجليل"، بينما البطريرك الحالي لكنيسة أنطاكية وسائر المشرق للروم الكاثوليك هو غريغوريوس (لطفي) الثالث لحام وهو من مواليد بلدة داريا جنوب دمشق. رغم أن المُخَوَّل عن الإجابة على السؤال هو البطريرك فإن المطران شقور أجاب على سؤال الصحفيين دون أن يسترعي انتباهه أن السؤال لم يكن موجها إليه،  ودون أن يدرك الصحفيان أن سؤالهما في غير محله. 

رغم ذلك فقد أجاب المطران على السؤال بكلام لا يسمن ولا يغني من جوع. في نهاية الإجابة على السؤال يقول المطران شقور أن علاقته مع مطران الروم الأرثوذكس "من أطيب العلاقات، فأنا أتعشى عنده وهو عندي ونتشارك بالآراء ونشارك بعضنا". حبذا لو حدثنا المطران شقور عن الشؤون التي تقلقنا والتي تناولها مع المطران كرياكوس وعن بعض الثمار التي جنيناها من تلك "العشاءات السرية" فنحن حريصون على معرفتها لنقوم بواجب الشكر له ولزميله! 

س: وماذا عن المطران عطالله حنا؟ 

ج: "هذا ليس مطرانا عندنا بل بالقدس... أما الأنچليكان فعلاقتي مميزة معهم وشبابهم يعتبرونني الأب الروحي لهم..." 

هل نسي المطران شقور مكانة القدس في وجدان مئات الملايين فصار يستخف بمطارنتها؟ 

السؤال عن المطران عطالله حنا، أما الإجابة فهي عن أتباع الكنائس الأخرى الذين يهيمون بالمطران شقور. في نهاية الإجابة يخبرنا المطران شقور أنه يفضل أن يكون بجهنم (الصواب هو: في جهنم!) لأنه سيجد الله هناك بينما "المحافظون الجدد" (ومنهم الرئيس الأمريكي الحالي ومعظم أعوانه) فإنهم لن يعثروا على الله حتى في الجنة. أي أن الله يكون موجودا حيث يختار أن يكون المطران شقور! هنيئا له! 

إجابة لا تمت للسؤال بصلة واحتقار للمطران عطالله حنا ابن قرية الرامة الجليلية الذي يشير إليه المطران شقور بـ "هذا" وكان أجدر به أن يذكر رتبته الكنسية ولكنه حاول أن يحط من قدره رغم علمه بأن المطران عطالله يحظى باحترام وتقدير الغالبية العظمى من الناس لمواقفه المشرفة ونضاله المتواصل في سبيل شعبه. لماذا؟ العلم عند المطران شقور! 

س: في لقائك مع الرئيس بوش، هل عبرت له عن موقفك هذا؟ 

ج: لا، لأنه طلب مني أن أشرح له التطويبات... إلى آخر الإجابة، حيث يحدثنا المطران شقور عن رفضه الانصياع لأوامر المشرفين على الأمن بالوقوف في مكان محدد سلفا لأنه "رئيس أساقفة" (من هم هؤلاء الأساقفة الذين يرأسهم) ولا يرضى أن يجمد في مكانه بل الرئيس بوش يجمد والمطران يتحرك وإذا لم يكن للمطران ما يريد فهو يقول: "[أنا] مستعد أن أعمل مشكلة كبيرة...." 

المطران شقور يأمر والمخابرات الإسرائيلية والأمريكية ترتعد فرائصها وتذعن لمطالبه خوفا من "المشكلة" التى يهددهم بها! لعله سيهددهم بطردهم من العراق وأفغانستان وجميع قواعدهم العسكرية المنتشرة في كل بقاع العالم، ويهدد الإسرائيليين بطردهم من الضفة الغربية وهضبة الجولان. 

لم يذكر لنا المطران شقور لماذا لم يوضح للرئيس بوش أنه غير مستعد لمرافقته إلى جنة المحافظين الجدد. (لعله يفضل العيش في الجنة الأرضية التي حققتها سياستهم الرشيدة في فلسطين والعراق وأفغانستان) 

س: هل حصل كلام مؤثر بينك وبين الرئيس بوش؟ 

ج: طبعا، طبعا، سمعت ورأيت تصرفا هزني إيجابا. 

س: وكيف ذلك؟ 

في الإجابة على هذا السؤال، يخبرنا المطران شقور كيف سلم على الرئيس بوش وتبادل معه القبل، مما أثار عواطف الراهبات اللواتي أخذن بالتصفيق لهذا المشهد التاريخي المؤثر لتبادل القبل بين المطران والرئيس! فما كان من الرئيس بوش إلا أن رمى بالبروتوكل جانبا (كما رمى جانبا بالشرعية الدولية من قبل) وطلب من الراهبات المثول بين يدي الذات البوشية والذات الشقورية فنزلن ووقفن ريفا واحدا (حسب تعبير المطران شقور، والصواب هو صفا واحدا) وأخذ المطران شقور يقدمهن له الواحدة تلو الأخرى ثم شرح المطران شقور لإله الأرض (الرئيس بوش) معاني كلمات عظة المسيح على الجبل (التطويبات) ثم أخذ يتلوها له الواحدة بعد الأخرى (هذا أيضا من خوارق المطران شقور فهو يشرحها ثم يتلوها والمتبع هو عكس ذلك) وقد أدهشه الرئيس بوش بحفظه التطويبات عن ظهر قلب، أي أن الرئيس بوش يردد كلمات لا يفقه معناها! 

بعد ذلك طلب الرئيس بوش من المطران شقور أن يعرف البلد الأصلي لكل واحدة من الراهبات فكان يقول أو. كي. عندما يشير المطران إلى راهبة إسبانية أو فرنسية وعندما أشار المطران شقور إلى راهبة عراقية زفر الرئيس بوش زفرة قوية من الاندهاش! والمفاجأة! وعندما أشار المطران شقور إلى راهبة سورية، بدا الرئيس مندهشا أكثر عن ذي قبل. (لم يشرح لنا المطران شقور سر الدهشة التي استولت على الرئيس بوش. هل هي جهله بوجود مسيحيين في العراق وسوريا أم لعله شعر بالندم على ما ألحقه بأوطان الراهبتين العربيتين من تدمير وحصار) 

يضيف المطران شقور: إن الرئيس بوش عندما سئل عن أجمل لحظة في زيارته قال أنها كانت عند زيارته لجبل التطويبات لأنها كانت نداء الروح للروح (هنا أيضا لم يشرح لنا المطران شقور ما معنى هذه الجملة، لعلها مثل بعض تعابير الشعر "الحديث" الذي تحتاج إلى عراف لكي يؤوله لك). 




س: ألم تذكر أمامه أي انتقاد للاحتلال والعنف والحرب؟ 

ج: لم يكن أي وقت لذلك، ولكني أعطيته كتابي Blood Brothers "إخوة الدم" وكتبت عليه "تذكر أن الله لا يقتل" فقال سوف أقرأه. (هذا أيضا مسخ لما جاء في التوراة التي أباحت القتل في العديد من الحالات) 

غريب عجيب أمر المطران شقور الذي وجد الوقت الكافي ليشرح للرئيس بوش المعاني والأسرار الخفية لعظة المسيح على الجبل ولم يجد متسعا من الوقت ليسأله عن سر قتله لمئات الآلاف من الأبرياء وتهجير الملايين والقضاء على تراث حضاري لا مثيل له في العراق. أم أن هذا الموضوع من التفاهة بحيث لا يستحق الذكر؟ 

س: هل سألك هو عن أمور أخرى؟ 

ج: نعم، سألني عن وضع المسيحيين في البلاد فقلت له أنهم في أسوأ حال وعندما تقابل (هكذا في الأصل) رئيس الحكومة والوزراء ذكرهم أن المسيحيين يضطرون للهجرة ليس لأنهم مبسوطون. 

ناهيك عن اللغة الركيكة، هنا أيضا، يلقي المطران شقور بالكلام على عواهنه. هل حال المسيحيين في البلاد أسوأ من حال إخوانهم من المسلمين (بما فيهم الدروز، فهم أيضا من المسلمين)؟ ما هي الأرقام التي يستند إليها المطران شقور؟ هل متوسط الدخل للأسرة المسيحية أقل منها عند المسلمين؟ هل هي نسبة الجامعيين المتدنية لدى المسيحيين؟ 

نسي المطران شقور أن يذكر لنا ما الذي يشكو منه المسيحيون خاصة في أسرائيل ولا يشكو منه إخوانهم من باقي الطوائف. نسي المطران شقور أيضا أن يخبرنا عن النتائج التي جناها المسيحيون من تذكير الرئيس بوش للمسؤولين في إسرائيل بأنهم غير "مبسوطون" حسب تعبير المطران شقور. 

س: وبالفعل كيف تفسر ظاهرة الهجرة المسيحية وأسبابها؟ 

ج: جو عدم الراحة والاحتلال في الضفة والتهميش لكل ما هو عربي... 

السؤال عن هجرة المسيحيين والإجابة تتهم الحكومة في إسرائيل بإساءة معاملة العرب جميعا دون استثناء، ثم يحول سهامه نحو أبناء شعبه ويتهمهم بأنهم ضيعوا شعور الانتماء للبلاد، التاريخي والجغرافي ويضرب مثلا على "إضاعة" ذلك الانتماء أنه لم يجد أحدا من أبناء الجش المسيحيين يعرف شيئا عن سيرة القديس بولس، وكأن من يحفظ سيرة القديس بولس عن ظهر قلب ينزل عليه حب الوطن من الأعالي! 

هنا بودي أن ألفت نظر المطران شقور إلى أن الشعور بالإنتماء يكون عميقا أكثر عند الإنسان كل ما كان ذلك الإنسان مطلعا أكثر على لغته وتاريخه وميراث شعبه الحضاري بكل جوانبه، من نثر وشعر ورياضيات وعلوم طبيعية وإنسانية وغير ذلك. فالعربي الذي يعلم بأن أهم اكتشاف في تاريخ البشرية كان استعمال الصفر والذي يعود الفضل فيه إلى محمد بن موسى الخوارزمي واضع أسس علم الجبر، وأن الاتحاد السوفييتي أصدر سنة 1983 طابع بريد يحمل اسمه وصورته تكريما له بمناسبة مرور 1200 سنة على ميلاده، سيشعر بالفخر والاعتزاز بانتمائه للحضارة العربية، وقس على ذلك إبن خلدون وابن سينا والمئات إن لم يكن الآلاف غيرهم ممن أبدعوا في كل مجال وساهموا في إثراء الحضاره الإنسانية ولا يزالون ولا ينكر ذلك سوى جاهل أو متعصب أعمى. 

الأهم من ذلك: هل يعلم المطران شقور أن تهجير المسيحيين من الشرق عامة ومن فلسطين خاصة كان ولا يزال هدفا من أهداف الغرب الاستعماري والحركة الصهيونية منذ نشأة الحركات القومية العربية في العصر الحديث؟ 

في سنة 1920 أوعز حاييم فايتسمان للإدارة الصهيونية بوضع خطة عمل لإقامة البيت القومي لليهود في فلسطين غايتها وأد الحركة الوطنية-القومية في فلسطين في مهدها، وزرع الشقاق بين المسيحيين والمسلمين، وذلك بإقامة الجمعيات الإسلامية-القومية لضرب الجمعيات الإسلامية-المسيحية التي كانت تدعو إلى الوحدة الوطنية وكان من أهم رعاتها المطران غريغوريوس حجار الملقب بمطران العرب، وقد أنفقت الحركة الصهيونية المبالغ الطائلة لإقامة تلك الروابط التى تزعمها مجموعة من العملاء منهم على سبيل المثال لا الحصر: 

حيدر طوقان، رئيس بلدية نابلس وعضو مجلس المبعوثان في العصر العثماني، إبراهيم عابدين من الرملة ومرشد شاهين من الخليل وكثيرون غيرهم، كما أنشأت الصحف وجندت الأقلام المأجورة (أمثال محمد طويل من عكا) لتضليل الفلسطينيين ودعوتهم للتوقيع على براءات (عرائض)، تؤيد الهجرة اليهودية إلى فلسطين وإيهامهم أن الحركة الصهيونية ستجلب لهم الخير والبركة. فهل يجهل المطران شقور ذلك أم يتجاهله؟ 

يفتخر المطران شقور بأن هناك 4600 طالب يدرسون في معاهده والسؤال هو: ما الذي فعله المطران شقور لكي ينمي الشعور الوطني لدى هؤلاء الطلاب؟ هل خرج قيد أنملة عن مناهج التعليم التي وضعت لكي تقضي على كل شعور بالانتماء كما أثبت ذلك بالوثائق الباحث والمؤرخ هليل كوهين في كتابه "العرب الصالحون"؟ كان لديه ربع قرن من الزمان منذ بدأ في إنشاء مدرسة مار الياس سنة 1982 حتى اليوم ولم يفعل شيئا يذكر، بل هو يفضل تعزيز الانتماء المسيحي-الفلسطيني، ويتجاهل المصير المشترك لجميع العرب بل لجميع الشعوب في الشرق، وينسى أو يتناسى أن الاتحاد الأوروبي لم يقم على أسس دينية، بل للحؤول دون الهيمنة الأمريكية على مصير أوروبا كما وعى ذلك الرئيس الفرنسي شارل دي غول والمستشار الألماني أدناور واضعا لبنة الأساس في صرح الاتحاد الأوروبي. 

س: هناك نظرة عامة لدى العرب في البلاد وخاصة المسلمين بأن المسيحيين أقل وطنية. 

هذا ليس سؤالا بل شركا وقع فيه المطران شقور وكان الأجدر به أن يسأل الصحفيين من أين جاءا بهذا الزعم العاري عن الصحة. وإذا كان هذا ما يعتقده السائل، فإن ذلك يدل على جهل هؤلاء الذين ينتقصون من مساهمة النصارى العرب في النهضة القومية-الوطنية في العصر الحديث منذ براعمها الأولى في منتصف القرن التاسع عشر إلى يومنا هذا. 

كان النصارى العرب من أهم أركان النهضة العربية بكل نواحيها وهاءنذا أقدم للمطران شقور والقراء الكرام غيضا من فيض من هؤلاء النصارى العرب الذين كان لهم كبير الفضل في بناء صرح نهضتنا الحضارية: 

المعلم بطرس البستاني مؤسس المدرسة الوطنية في بيروت سنة 1863 والعديد من الصحف (مع ابنه سليم) 

الأخوان سليم وبشارة تقلا مؤسسي صحيفة الأهرام سنة 1875 وهما من كفر شيما في لبنان 

جرجي زيدان مؤسس دار الهلال ومؤلف روايات تاريخ الإسلام و "تاريخ التمدن الإسلامي" و "تاريخ آداب اللغة العربية" وأصله من بيروت 

نجيب نصار صاحب جريدة الكرمل الذي يعتبر"شيخ" الصحافة الفلسطينية وأكثر من نبه العرب من الخطر الصهيوني قبل صدور قرار بالفور والانتداب البريطاني 

الشيخ ناصيف اليازجي وأولاده، خاصة إبراهيم اليازجي مؤسس صحيفة "الضياء" وصاحب القصيدة الذائعة الصيت: 

تنبهوا واستفيقوا أيها العرب فقد طما الخطب حتى غاصب الركب 

وأصلهم من كفر شيما التي هاجر إليها أجدادهم من حوران 

الرابطة القلمية وخاصة عميدها جبران خليل جبران وما له ولأعضائها أمثال إيليا أبي ماضي وميخائيل نعيمة، من أياد بيضاء على الأدب العربي 

العصبة الأندلسية في أمريكا اللاتينية، مؤسسها ميشيل معلوف ومن بين أعضائها شفيق المعلوف، فوزي المعلوف، الياس فرحات... ومن أبرز فرسانها رشيد سليم خوري، شاعر القومية العربية وهو القائل: 

هَبونِيَ عيداً يجعلُ العربَ أمَّةً وسيروا بجثماني على دين بَرهَمِ 

سَلامٌ على كُفرٍ يُوحِّدُ بيننا وأهلا وسهلا بعده بجهنم 

مارون النقاش، أبو المسرح العربي في مصر والشرق العربي وهو تاجر بيروتي الأصل 

ميشيل عفلق، مؤسس حزب البعث العربي الاشتراكي 

أنطون سعادة مؤسسس الحزب القومي السوري الذي اغتالته أيدي الرجعية العربية 

البابا شنودة في مصر، المشهود له بمواقفه الوطنية المشرفة 

وهل يسعنا أن لا نذكر فيروز التي غنت لمكة والشام والقدس وفلسطين؟ 

وإذا ما استعرضنا تاريخ النهضة الوطنية في فلسطين فسنجده مرصعا بأسماء العديد من النساء والرجال الذين عملوا كل ما وسعهم من أجل العروبة وفلسطين ومنهم على سبيل المثال لا الحصر: 

نجيب العازوري وهو من الروّاد الأوائل الذين دعوا للوحدة القوميّة العربيّة، ودعا إلى تأسيس حزب قومي عربي أطلق عليه اسم ( جامعة الوطن العربي)،عام 1904. وحذر في تلك الفترة من الخطر الصهيوني المحدق بفلسطين والعرب. 

نجيب نصار الملقب بـ "شيخ الصحافة الفلسطينية" الذي أصدر صحيفة "الكرمل" سنة 1908 وظل ينشر الوعي الوطني والقومي ويحذر من الخطر الصهيوني حتى يومه الأخير 

عيسى العيسى، صاحب ومحرر صحيفة فلسطين ومن كبار الأقلام الوطنية المجاهدة 

المطران غريغوريوس حجار وأصله من قرية "روم" في جنوب لبنان وقد لقب بـ "مطران العرب" لغيرته الوطنية وقد قال فيه الشاعر فهد شريح من ترشيحا، إثر الشهادة التي قدمها أمام لجنة پيل سنة 1937 إبان الثورة: 

كانت شهادتكم بيانا ساحرا ورسالة علوية الإيحاء 

أدهشت فيها لجنة ملكية ورفعت رأس الأمة العرباء 

إدوارد سعيد المقدسي الأصل المصري النشأة، وهو أكبر مدافع في العقود الأخيرة عن الإسلام والعروبة وفلسطين حتى وفاته قبل خمسة أعوام 

اسكندر الخوري البيتجالي الكاتب والشاعر الذي قال: 

بلدُ السلامِ وليس فيك سلامُ مني إليكَ تحيةٌ وسلامُ 

أنا إن نأيتُ وإن أقمت فإنني لك مخلصٌ ما لي سواك مقامُ 

تفديك نَصرانِيَّتي ويقيك من غدر الزمان وكيده الإسلامُ 

وأخيرا، لا يسعني إلا أن استرعي انتباه المطران شقور إلى أن المؤتمر القومي العربي الذي انعقد في صنعاء في شهر أيار المنصرم انتخب عزمي بشارة، العربي-الفلسطيني-الجليلي-المسيحي-الكاثوليكي رئيسا له وقد قال سليم الحص، رئيس وزراء لبنان السابق وأحد أركان الحركة القومية في أيامنا، أن عزمي بشارة يعتبر رائد النهضة العربية القومية الثانية في العصر الحديث. 

س: المطران عطالله حنا طالب الشباب المسيحي بتقوية انتمائه الوظني الفلسطيني... فماذا تقول؟ 

في إجابته على السؤال يتهم المطران شقور المطران حنا بالرعونة والتهور. الرعونة تعني الحمق والاسترخاء، والتهور تعني الانهيار أي السقوط. ما الذي بدا للمطران شقور من حمق وسقوط رجل جليل القدر راجح العقل كالمطران حنا؟ لا شك أن استعمال المطران شقور لهذه الألفاظ البذيئة ينال منه وليس من المطران حنا. 

هل يجهل المطران شقور أن استعمال مثل هذه الألفاظ شائع بين الرعاع والسوقة وليس بين "رؤساء الأساقفة". 

ثم يستطرد المطران شقور ويخبرنا أن البابا وقع في شرك خوري لبناني عندما قال كلاما أثار احتجاجا واسعا بين المسلمين. هذه إهانة للبابا الذي يبدو من الجهل والسذاجة بحيث يسقط في شرك كاهن، وهذا دليل على أن المناصب الدينية والرتب الكهنوتية مهما علت فأنها لا تزيد في عقل الإنسان بل تزيد من الضرر الذي يمكن أن تحدثه أقوال ذلك الإنسان، فهل يتعظ المطران شقور؟ 

في إجاباته على الأسئلة التالية يتحفنا المطران شقور بالمزيد من الشعوذات الكلامية، ويزعم أيضا، أنه جلب الآلاف من مطارنة ألمانيا والنمسا وغيرها إلى المغار! ليت شعري، هل بلغ لديه الاستخفاف بعقول القراء هذا الحد؟ 

يقول الحكماء، كلام الرئيس، رئيس الكلام. هذا القول لا ينطبق على ما أتحفنا به "رئيس الأساقفة" شقور في أجوبته التي تنضح بركاكة اللغة التي لا تليق بمطران يجلس على كرسي جلس عليه في يوم من الأيام ولمدة أربعة عقود المثلث الرحمات المطران غريغوريوس حجار الذي قال عنه الزعيم المصري المعروف والخطيب المصقع سعد زغلول بعد أن سمعه يخطب لأول مرة، وكان قد سمع به من قبل: 

"كيف لا يكون هذا المطران الجليل مشهورا وهو أبلغ خطيب عربي سمعته" 

لن أتناول إجابات المطران شقور عن علاقته بالأب إميل شوفاني فهي أيضا تشهد للمطران شقور بالبراعة في قول الشيء ونقيضه في جملة واحدة أحيانا. 

يتساوى المطران شقور في انتقاصه لإخلاص المسيحيين العرب لأوطانهم وعروبتهم مع الفئات التي تستبيح دم المسيحيين وكنائسهم وأديارهم في مصر وغزة والعراق والجزائر وفي أي مكان في العالم العربي بذريعة أنهم ليسوا سوى غرباء على أرض العرب وأنهم جواسيس لإسرائيل ولأمريكا خاصة والغرب عامة وهذا أمر في غاية الخطورة! 

بودي أن أسأل المطران شقور: ما الذي يحمله على البقاء بين ظهراني شعب لا يشعر بالانتماء إليه؟ أنا واثق من أن العديد من أبناء طائفتنا مستعد للتبرع بنفقات مغادرته في الدرجة الأولى بالطائرة! 

وفي الختام يحضرني قول الشاعر والحكيم المشهور، أبو الطيب: 

ذكر الفتى عمره الثاني وحاجته ما قاته وفضول العيش أشغال 

فما هو الذكر الذي سيتركه المطران شقور بعد عمر طويل؟ 



عصام زكي عراف 

قرية معليا 

الجليل الغربي