Friday 30 October 2015

من صميم الواقع (المر)

من صميم الواقع (المر)

التقيت به عَرَضا عند أحد أصدقائه ودار الحديث حول شؤون الساعة وحول قضايا أخرى فكان له في كل شأن رأي، وبين آرائه وبين الحقائق التي تمت للمواضيع بصلة بون شاسع ولكنه يتحدث بثقة توحي للسامعين أنه يلم بالموضوع إلماما شاملا وليس عليهم سوى أن يحفظوا ما قاله ويرددوه على مسامع الآخرين لينتشر نور العلم بين ظهرانينا.
سألته بعد أن أتيح لي الكلام:
من أين لك كل هذه المعلومات وهذه الآراء؟
أنا مشترك في صحيفة يديعوت أحرونوت وأقرؤها باستمرار.
ولكن هذه الصحيفة تخدم عقيدة سياسية بعينها فهل تجهل ذلك؟
أنا استطيع أن أميّز بين المقالات والأخبار المُغرِضَة وبين الصحيحة.
كيف ذلك؟
أنا أيضا أشاهد الفضائيات الإخبارية وأستمع إلى الإذاعات.
وهل تثق بكل ما تشاهده وتسمعه؟
لم لا؟ هل يمكن للإنسان أن يكذِّبَ عينيه؟
وكيف لك أن تعلم بأن ما شاهدته أو سمعته ليس ملفقا؟
وهنا احتد محدثي وقال:
هل تريدني أن لا أقرأ ولا أشاهد ولا أسمع؟
أجبته على سؤاله بسؤال:
كم كتابا قرأت منذ أن أنهيت دراستك الجامعية؟
لم أقرأ شيئا.
هل تعني أنك منذ تركت الجامعة منذ أكثر من ربع قرن لم تقرأ كتابا واحدا؟
نعم، وما العيب في ذلك؟
أظنك تستطيع قراءة العربية والعبرية، أليس كذلك؟
نعم أستطيع.
نشرت عدة كتب بالعبرية في السنوات الأخيرة أحدثت الكثير من الاهتمام والتعقيب وقد ترجم بعضها للعربية أتظنها لا تستحق القراءة؟
أي كتب تقصد؟
كتب شلوموه زاند متى وكيف أُنشِأ الشعب اليهودي، متى وكيف أُنشِأت أرض إسرائيل وكتب هليل كوهين وإيلان پاپِه وأڤراهام بورچ وبيني موريس وغيرهم كما أن هناك العديد من الكتب العربية الجديرة بالقراءة مثل كتب محمد حسنين هيكل والياس خوري وأحلام مستغانمي وغيرهم.
أنا لم أسمع بهذه الكتب إلا الآن.
هذا الجواب يصدق فيه القول عذر أقبح من ذنب
بقي أن أذكر أن حضرته مدرس ثانوية منذ أنهى دراسته الجامعية.
أي جيل من الطلاب سيتخرج على يد مثل هذا الأستاذ؟
معليا في 30-10-2015 
  



Monday 26 October 2015

إلى جمهور القراء


إلى جمهور القراء

أبيات من وحي ما يُرى وما يُقرأ في صفحات التواصل الاجتماعي:
أنا لا أُهدي إلى أبصاركم***صورًا لا نَفعَ من تلك الصُّوَر
أنا لا أُهدي إليكم جُمَلًا***ليس فيها من معانٍ أو فِكَر
إنّما أُهدي إلى أذهانِكم***فِكَرًا صيغت بلفظٍ كالدُّرَر
أو علومًا يعرفُ المرءُ بها***عن خبايا الكونِ ما كان استَتَر
عصام زكي عراف

Wednesday 21 October 2015

فقراء في دولة الثراء


فقراء في دولة الثراء


خلاصة كتاب الفجوة المتسارعة Runaway Inequality للمؤلف Les Leopold

نقله عن الإنچليزية عصام زكي عراف


كيف يعقل أن يكون مثل هذا العدد من الفقراء في دولة في مثل هذا الثراء؟

الولايات المتحدة من الدول الأكثر غنى في تاريخ العالم غير أن الأمريكي الذي لا ينتمي إلى كبريات الشركات أو العلية السياسية لا يشعر بذلك.  في البيئة التي يعيش فيها العاملون الكادحون في الولايات المتحدة نجد أنّ البنى التحتية تتهاوى، المدارس تفصل المعلمين لعدم توفر المال اللازم لدفع أجورهم، مياه الشرب تكاد لا تصلح للشرب، السلطات البلدية في القرى والمدن تواجه الإفلاس، صناديق التقاعد العامة والخاصة على حافة الانهيار بينما المواطن العادي والطالب وأصحاب المنازل يعيشون تحت وطأة الديون المرهقة، أما القيمة الحقيقية لأجورهم (أي قدرة الشراء لساعة العمل) فهي ما زالت على حالها منذ السبعينيات.
كيف يعقل أن تكون الولايات المتحدة تنعم بهذا الغنى الفاحش بينما الخدمات فيها متدنية إلى هذا الحد وعامة الناس يرزحون تحت وطأه الديون والأجور على حالها منذ أمد طويل؟
الجواب: اتساع الفجوة باطراد بين الأغنياء جدا والفقراء.  ليست هذه هي المرة الأولى في التاريخ التي تسيطر فيها فئة قليلة من الناس على ثروات البلاد وعلى مصيرها فالفراعنة في مصر القديمة كانوا يملكون زمام الأمور وكذلك النبلاء والملوك في أوروبا خلال العصور الوسطى، وفي أميركا كان كبار الملاكين في الماضي البعيد ينعمون بخيرات البلاد، أما في العصر الحاضر فالأمر كله في يد أرباب الصناعة والمال من أصحاب الشركات الكبرى.
اتساع الفجوة أصبح يشوّه نظرة الناس وفهمهم لواقعهم وللطريقة التي بها تساس البلاد في أميركا ويخيب حلم المواطن الأميركي بأن أحوال الناس تتحسن باستمرار من جيل إلى جيل كما أنها تُخِلّ بتطبيق الديمقراطية والاعتقاد السائد بأن القدرة على التأثير في اتخاذ القرار تكاد تكون متساوية بين جميع المواطنين.
لنلقي الضوء على التفاوت في الكسب في أميركا: رغم كثرة الأحاديث التي تدور حول هذا الموضوع فإنه أسوأ بكثير مما تعتقد الغالبية العظمى من الناس، يبدو أن الإيمان الذاتي في العدالة يحول دون القدرة على إدراك الهوّة في الكسب بين الأغنياء والفقراء ويحجب عن العقول مدى السرعة التي تتسع بها هذه الهوّة يوما بعد يوما وإلى أي مدى تغلغل الجشع في نفوس أغنى طبقة في المجتمع الأميركي، تلك الفئة التي تكدِّس المزيد والمزيد من الثراء بينما الغالبية العظمى من الناس لا نصيب لها من ثروات الوطن.
التفاوت القائم يتجاوز الفرق بين ما يكسبه الأثرياء وما (لا) يكسبه الفقراء لأن تسارع اتساع الفجوة في الكسب يمزق النسيج الاجتماعي السائد منذ عقود حيث أن فائقي الغنى أصبحوا يعيشون في عالمهم الخاص بحيث لا يعتمدون على الخدمات العامة التي توفرها الدولة لأن أولادهم يدرسون على الغالب في مدارس خاصة بالأغنياء ولديهم عياداتهم الخاصة وطائراتهم الخاصة وسياراتهم الفارهة ومنتجعاتهم الخاصة، وفي واقع الأمر لا يعنيهم من أمر عامة الناس شيئا فهم في واد وعامة الناس في واد.
في الوقت ذاته يكدّس فائقو الغنى أموالهم خارج البلاد دون أن يدفعوا ما تستحقه الدولة وذلك بمساعدة خيرة المحاسبين والحقوقيين فتحرم خزينة الدولة من العائدات التي تنفق منها على الخدمات العامة كالمدارس والجامعات والمشافي والمواصلات والحفاظ على البيئة فتكون النتيجة أن غرف التدريس تكتظ بالمزيد من الطلاب والمزيد من الناس يعانون ويموتون لعدم توفُّر العناية الطبية اللازمة وهذا أيضا يزيد من الجريمة في المجتمع، بل وقد يحفز بعض السلطات في الولايات والمدن إلى إرهاق كاهل المواطنين بمزيد من الضرائب لتغطية النفقات المتزايدة فتتفاقم الأزمات ويكون نصيب الأميركيين ذوي البشرة الداكنة منها أكبر من نصيب غيرهم.
التفاوت في الكسب ينخر في عظام الديمقراطية ذاتها، الأغنياء الذين يصبحون أكثر غنى يسهل عليهم أكثر فأكثر أن يسخّروا المسؤولين ووسائل الإعلام لخدمة مصالحهم بواسطة أموالهم، بل إن أموالهم تستعمل لترجيح كفة المرشح الذي يريدونه بحيث يكون في ما بعد مجرد خادم مطيع لرغباتهم.  هم يصوّتون بأموالهم فيجعلون من المبدأ الديمقراطي الأهم: صوت واحد للشخص الواحد مجرد حبر على ورق بحيث نرى اليوم أن معظم الناس الذين انتخبوا للمناصب المختلفة لا يعبأون بمصالح عامة الناس بل بمصالح أصحاب الأموال الذين كانوا من وراء انتخابهم.  
هناك أكثر من مائة رسم بياني وتوضيحي تبرهن بما لا يدع مجالا للشك بأن الحال أسوأ بكثير مما يعتقد عامة الناس.
ما زال معظم الأميركيين يعتقد أن أميركا تتقدم جميع دول العالم في كل مجال فهي معقل الحرية والحياة الكريمة بل هي الفردوس الأرضي الذي باركه الله والذي يحلم به كل إنسان ومن أخفق في تحقيق النجاح والسعادة في أميركا فلا يلومنّ إلا نفسه لأن الفرص دائما مواتيه ولكنه لم يفعل شيئا ليغتنمها، هذا ما يحلو لكل سياسي في أميركا أن يردده في كل مناسبة، فما هي الحقيقة؟
صحيح أن الطبقة العاملة في أميركا كانت تنعم بحياة رغيدة أكثر من غيرها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى مطلع الثمانينيات، أما اليوم فقد انقلبت الآية فقد أصبح المجتمع الأميركي أكثر المجتمعات بعدا عن المساواة بين جميع الدول المتطورة: أكثر الأطفال فقرا، أكبر نسبة من عديمي المأوى، عدد نزلاء السجون يفوق عددهم في الصين وروسيا وتحسّن معيشة الناس أقل من معظم الدول الأوروبية، هذا بالإضافة إلى النفقات المرتفعة للخدمة الصحية التي تشمل عددا أقل من الناس وتعطي أسوأ النتائج، ناهيك عن الإسراف في استهلاك الطاقة والبنى التحتية المتدنية.
لا شك أن الواحد في المائة من الأميركيين أصبحوا أحسن حالا من أي وقت مضى لكن البقية من الناس أصبحت أحوالهم أسوأ من أي وقت من الماضي القريب.
يتعرّض الأميركي، مثل غيره من المواطنين في الدول الرأسمالية إلى وابل من المعلومات والأرقام تنهال عليه ليل نهار من كل حدب وصوب من وسائل الإعلام المرأيّة والمسموعة والمقروءة كلها تخبره عن أسعار الأسهم والعجز في ميزانية الدولة وميزان الصادرات والواردات وارتفاع غلاء المعيشة وانخفاض متوسط الدخل للفرد ونسبة البطالة والتضخم وغير ذلك من الأرقام التي لا يعرف أسبابها ولا أحد يتطوع ليشرح له كنهها فيظل في حيرة أمره لا يفقه من أسباب منغّصات عيشه شيئا.
لعل أسوأ ما في الأمر أن وسائل الإعلام برمّتها لا تذكر للمواطن أهم حقيقة يجب عليه أن يعرفها وهي أن الاميركي يعيش في ظل نظام رأسمالي، وأن هناك تضارب وصراع ناتج عن هذا النظام بين حاجة ورغبات أصحاب الشركات الكبرى وبين صحة المواطن ورفاهه التي تعني في النهاية سلامة واستدامة مُكَوِّنات الحياة نفسها على الكرة الأرضية تلك الأنظمة التي توفر لنا الحياة الكريمة والعافية إذا ما حافظنا عليها وحرصنا على سلامتها. 
لا أحد يخبر المواطن أن الجشع اللا محدود لأصحاب الشركات الكبرى والبنوك هو السبب وراء تدنّي مستوى المعيشة الذي تعاني منه الأكثرية الساحقة من الأميركيين.
ما يقال للأميركي بأن الاقتصاد عبارة عن آلة معقدة لا طاقة له على فهم كنهها والتحكم بها، وأن كل واحد يمثل جزءا في هذه الآلة الضخمة وما عليه سوى أن يقوم بالمهمة الموكل بها هذا الجزء وبذلك يحصل على ما يستحقه من نصيب في إنتاج هذه الآلة، هو مجرد تضليل يخفي حقيقة التناقض القائم بين أصحاب الشركات والعامل، بين الأغنياء وبين بقية المواطنين.
صحيح أن النظام الاقتصادي نظام معقد ومن الصعوبة بمكان التحكم به ولكن الحقيقة أيضا أن توجّهات هذا النظام يضع أسسها أشخاص يسعون لتحقيق مآربهم الخاصة.  هؤلاء الأشخاص من أصحاب المال والنفوذ هم الذين اختاروا قبل ثلاثة عقود أن يغيّروا مسار الاقتصاد تغييرا جذريا أدى إلى تآكل قدرة الشراء لساعة العمل باستمرار منذ ذلك الحين مما زاد في معاناة الطبقة العاملة وما زال.
النظام القائم هو من تخطيط وتنفيذ الطبقة الغنية وقد وضع لخدمة مصالحها.
لا سبيل للقضاء على هيمنة الواحد في المائة سوى باتحاد جميع الحركات التي تحارب استغلال العاملين واستنزاف الموارد الطبيعية واحتكار السلع والخدمات وهذا لا يتم إلا بتضافر جهود جميع المتضررين للوصول إلى انتخاب حكومة نزيهة مخلصة للطبقة العاملة، وليس حكومة الواحد في المائة كما هو الحال في العقود الأخيرة.  




















  

Thursday 10 September 2015

من الذي يرعى الإرهاب؟

من الذي يرعى الإرهاب؟


من الذي يرعى الإرهاب؟
حملة الحرب على الإرهاب التي أطلقتها إدارة الرئيس جورج بوش الإبن سنة 2001 أخذت تتعرى من الأقنعة التي نسجتها حولها أجهزة الإعلام المأجورة والمتحالفة مع المصالح المستفيدة من هذه الحرب.  من الجدير بالذكر أن التعبير في حد ذاته لا معنى له لأن كلمة إرهاب في اللغة الإنچليزية تعني استعمال العنف والتهديد لتحقيق أهداف سياسية، فهي إذن وسيلة أو خطة وهل يعقل أن تحارب خطة أو وسيلة؟ قد تحارب شخص أو مؤسسة أو قبيلة أو قرية أو دولة ولكن كيف تحارب خطة أو وسيلة؟   
في الأول من حزيران 2015 أعلن المدعي العام البريطاني في المحكمة المركزية أنه لم يعد هناك مجال لإدانة السويدي الجنسية بِرلِن چِلْدو المتهم بالقتال إلى جانب المسلحين ضد النظام في سوريا بعد أن اتضح أنّ الاستخبارات البريطانية كانت تزوِّد بالسلاح تلك المجموعات التي كان برلن يشاركها القتال.
من الواضح أن المدعي العام قرر إسقاط التهمة بعد أن ثبت أن الاستخبارات البريطانية كانت تسلِّح المجموعات ذاتها التي التحق بها برلن مما جعل محامي الدفاع يقول أن الاستمرار في المحاكمة يمثل “إهانة للعدل” لوجود العديد من الأدلة بأن الدولة البريطانية كانت  توفّر “الدعم الواسع” لجماعات المعارضة المسلحة في سوريا.
لم ينحصر الدعم الواسع للمسلحين في سوريا بتقديم الأسلحة “الغير فتاكة” فحسب, كالملابس الواقية والمركبات العسكرية، كما تفاخرت الحكومة البريطانية، بل شمل أيضا الإمدادات الميدانية والتدريب والسلاح على أنواعه على نطاق واسع. 
أشارت التقارير إلى أنّ جهاز الاستخبارات البريطاني إم آي 6 تعاون مع جهاز الاستخبارات الأمريكي سي آي إيه بتنسيق تام لنقل كميات كبيرة من مختلف الأسلحة من مخازن الجيش الليبي إلى المسلحين في سوريا بعد سقوط نظام القذافي سنة 2012 .
قبل أسبوعين من إلغاء التهم الموجه إلى برلن حكم القضاء البريطاني على أنيس سردار بالسجن مدى الحياة لأنه حارب قوات الاحتلال الأميركية-البريطانية في العراق سنة 2007 رغم أن القانون الدولي ومعاهدة جنيڤ لا تعتبر مقاومة الاحتلال الغير مشروع جريمة يعاقب عليها القانون، بين ما الوزراء الذين اتخذوا قرار الغزو الغير شرعي والعسكريون الذين نفذوه ظلوا بمنأى عن المقاضاة، لماذا؟ لأن تحديد من هو المعتدي ومن هو الضحية أصبح يخضع لوجهة النظر وليس للمعايير النزيهة، إرهابي الأمس في نظر أميركا وحلفائها هو صديق اليوم، يصنّفون الناس حسب أهوائهم ويجنّدونهم لكي ينفّذوا مآربهم المعلنة والخفية.
عادت أميركا وحلفاؤها من الجو إلى ساحة المعركة في العراق وسوريا تحت ذريعة ضرب قوات الخلافة الإسلامية وجبهة النصرة المنبثقة من تنظيم القاعدة (الذي جاء به الغزو الأمريكي-البريطاني إلى العراق) بعد أن اقتطعت أجزاء كبيرة من البلدين ومارست من الجرائم ما تقشعر له الأبدان، غير أن من الواضح أن هذه الحملة من الجو لم تحل دون احتلال جنود الخلافة المزيد من المدن والقرى في العراق وسوريا كمدينتي الرمادي وتدمر وغيرهما.
مؤخرا، كشف النقاب عن أحد تقارير الاستخبارات الأميركية الذي صدر في شهر آب 2012 الذي يتوقع بل ويرحب بإقامة ولاية سلفية في شرق سوريا وبإنشاء دولة إسلامية بزعامة القاعدة في سوريا والعراق.  ما ورد في تقرير وكالة استخبارات الدفاع الأميركية يتعارض كليا مع مزاعم الدول الغربية في ذلك الوقت، لأنه يشير بشكل واضح إلى أن السلفيين من أعضاء القاعدة وحلفائهم هم الذين يقودون الثورة  في سوريا وأن الدول الغربية ودول الخليج وتركيا تقدم لهم الدعم اللازم للاستيلاء على شرق سوريا.  ثم يمضي التقرير فيقول في هذا السياق: “هذا بالتحديد ما يريده الأطراف الذين يدعمون المعارض ألا وهو عزل النظام السوري الذي يعتبرُ العمق الاستراتيجي للتوسع الشيعي العراقي-الإيراني في المنطقة.
ما حدث بعد سنتين من كتابة التقرير المذكور أعلاه يثبت أنه كان المصباح الذي سارت على هديه سياسة أميركا وحلفائها رغم الجهد الكبير الذي بذل في صوغه بأسلوب ملتوٍ وغامض، وخلاصته أن الولايات المتحدة وحلفاءها يقبلون بدولة إسلامية سنّية من نوع ما لتكون حاجزا بين شيعة العراق وإيران وبين الدولة السورية رغم ما فيه من خطر على وحدة العراق لكي تبقى سوريا ممزقة وضعيفة.
هذا لا يعني بالضرورة أن الدولة الإسلامية ولدت من رحم الولايات المتحدة لكن اعتراف نائب الرئيس الأميركي جو بايدن في السنة الماضية بأن دولا خليجية حليفة ساهمت في إقامتها هو خير برهان على مباركتها لتلك الجهود.
لم يكن هناك وجود للقاعدة في العراق قبل الغزو الأميركي-البريطاني سنة 2003 ولكن من المؤكد أن الولايات المتحدة سخّرت وجود الدولة الإسلامية ضد قوى أخرى في المنطقة كوسيلة لتزيد من نفوذ الغرب وهيمنته على مصائر شعوب المنطقة.
تغيرت حسابات أميركا عندما بدأت الدولة الإسلامية بقطع رؤوس الغربيين وارتكاب الفظائع ونشرها في وسائل الإعلام المرئية ولذا رأينا أن دول الخليج أخذت تدعم فئاتا أخرى من المسلحين كجبهة النصرة مثلا.  مغازلة الحركات الإسلامية الجهادية ودعمها ثم إظهار الأسف والندم ليس جديدا في سياسة الولايات المتحدة، فقد سبق أن فعلت ذلك في أفغانستان في بداية الثمانينيات من القرن الماضي حين كانت القاعدة الإبن المدلل للسي آي إيه لحملها السلاح ضد النظام الأفغاني المدعوم من الاتحاد السوڤييتي في ذلك الوقت. مثل هذا النمط أعيد استخدامه بعد غزو العراق عندما قام الجيش الأمريكي بقيادة الجنرال پِتريئوس بإثارة الحرب القذرة وذلك بإنشاء فرق الموت للقضاء على المقاومة وإذكاء نار الفتنة الطائفية على غرار ما فعلته أميركا في إلسيلڤادور من قبل.
الخطة ذاتها نُفِّذت في ليبيا عندما قام حلف شمال الأطلسي بالمساعدة في القضاء على نظام القذافي وكانت من نتيجة ذلك أن الدولة الإسلامية استطاعت أن تسيطر على العديد من المناطق ومنها على مدينة سرت وهي مدينة معمر القذافي.
الممارسة الاستعمارية التقليدية “فرِّق تَسُد” هي ما يميّز سياسة الولايات المتحدة وحلفائها في أتون الشرق الأوسط المستعر بفضل “نخوتهم المفرطة”، يقذفون قنابلهم على رأس بعض الفئات المسلحة ويدعمون فئات أخرى: 
التعاون مع إيران الشيعية ضد الدولة الإسلامية في العراق، يقابله تأييد للسعوديين في حربهم ضد الحوثيين الشيعة في اليمن...
مهما قيل عن السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، فإن من الواضح أنها ترغب في إقامة كيانات هشة هزيلة في سوريا والعراق. والأمر كذلك فليس من المعقول أن تساهم الولايات المتحدة وحلفاؤها في هزيمة الذين احتضنتهم لسنوات طويلة وساعدت على استفحال أمرهم كما نراه اليوم.
التدخل العسكري الأمريكي على مدي عقود طويلة لم يجلب لسكان الشرق الأوسط سوى الفتن والتمزق والدمار، الخلاص لن يأتي سوى من شعوب المنطقة ذاتهم وليس من الذين حضنوا الجراثيم.  من كان السبب في الدمار لن يكون المبادر للعمار.  
نقله عن صحيفة الچارديان البريطانية مع بعض التصرف:
عصام زكي عراف

Thursday 27 August 2015

جمعية تعاونية حقا؟

جمعية تعاونية حقا؟

إثر افتضاح العلاقة بينه وبين مونيكا لوينسكي تعالت الأصوات في نهاية سنة ١٩٩٨ تطالب الرئيس الأمريكي بيل كلينتون بالاستقالة. أذكر جيدا أنه قال في كلمة وجهها إلى الشعب الأمريكي:
“إن ما حدث بيني وين مونيكا هو بيني وبين أسرتي وبيني وبين ربي، أنا لن أتخلى عن مسؤولياتي كرئيس وسأظل في مكاني في البيت الأبيض مقيما على خدمتكم والعمل من أجلكم”.
هكذا يفهم رئيس أعظم دولة في العالم معنى رئاسته: “خدمة الجمهور”.
أذكر جيدا أيضا أن أحد الشبان اللبنانيين في سيدني انتُخب رئيسا لجمعية المهاجرين من قريته ولا شأن يذكر لتلك الجمعيات سوى دعوة الأعضاء لحفلة سنوية يجلسون فيها معا يأكلون ويشربون.  عندما التقيت بوالده الذي تعرفت عليه من قبل قال لي وهو يكاد يرتفع شبرا فوق الأرض وكأنه يزفُّ لي خبرا في غاية الأهمية:
“هل تعلم أن إبني جورج انتخب رئيسا لجمعية القرية؟”
إبنه جورج إنسان طيّب القلب ومهذب جدا (ومحدود المعرفة جدا أيضا) يعمل سائق شاحنة عند إحدى الشركات (ولا ضير في ذلك أبدا).
تساءلت في سرّي:
ما الذي حمل هذا الرجل لأن يزهو بانتخاب ولده رئيسا لجمعية لا شأن لها؟
تذكرت حينئذ أبياتا من قصيدة حافظ ابراهيم “لا تلم كفي إذا السيف نبا” يقول فيها وهو ينعي حال أمته العربية:
أمّة قد فتَّ فى ساعدها *** بغضها الأهل و حبّ الغربا
تعشق الألقاب فى غير العلا *** و تُفدّى بالنفوس الرتبا
لعلّه يعتقد أن ابنه جورج أصبح منذ انتخابه سيّدا لقومه يستحق التبجيل والتوقير ومكانه في صدر المجالس؟  
هذه هي عقولنا المحنّطة منذ الأزل، نظن الألقاب ترفع من قدرنا وتجعلنا فوق القانون وتعطينا الحق في أن نهتك جميع الأعراف ونستهتر بالآخرين وبالمال العام والخاص أيضا.
 كتبت في 19-08-2015 عن الأنابيب التي طرحتها جمعية الفردوس في معليا على جانب الشارع وما زالت مطروحة حتى صباح هذا اليوم، بعد أن امتنع فخامة الرئيس المبجل جورج يوسف نقولا عن الرد على اتصالاتي التليفونية المتواصلة لعدة أيام لأنه يعتقد أن عصام عراف ليس رئيس مجلس ولا رئيس عصابة ولا شيخ قبيلة ولا “خواجا” ولذلك فليذهب هو وزيتونه إلى الجحيم مع أن كل ما يلزم لمد الأنابيب هو استئجار جرار كبير وشاحنة صغيرة وما أكثرها في هذا الأيام، ولو كان الأمر بيدي لكانت الأنابيب قد مُدَّت منذ زمن بعيد فقد تعهدتُ بتقديم قرض بدون فائدة للجمعية لشراء الأنابيب عندما شكا إلي جورج من عدم توفر المال اللازم ولكن يبدو أنه لم تكن هناك حاجة لذلك.  
حضرته يعتقد أنه الخليفة الذي بايعه المساهمون على السمع والطاعة وأن في يده الأمر والنهي وأنه مطلق اليد في أموالهم ومصالحهم فالذي يحظى بعطف ظل الله على الأرض سلطان البرّين وخاقان البحرين وخادم الحرمين، السلطان ابن السلطان، يحصل على مبتغاه في أسرع وقت أما بقية “الرعية” فإنها تكون “أسقيك بالوعد يا كمون”.
والحالة هذه لم يبق أمامي سوى اتخاذ الإجراآت القانونية المتاحة لمقاضاة رئيس الجمعية على هذا التقصير الفاضح لأنه وعدني بلسانه في حينه أن يصل الماء إلى الأرض حتى منتصف شهر أيار.
سؤال آخر لا بد منه: ما رأي هؤلا الذين انتخبوا هذا الإدارة.
جوابهم: ما دامت هذه الإدارة من “جماعتنا” فنحن نبارك كل من يباركها ونلعن كل من يلعنها، لأن “جماعتنا” فوق النقد وفوق الاتهام ولتذهب المصلحة العامة إلى الجحيم!
حتى اليوم لم أسمع ولم أقرأ كلمة واحدة يشرح فيها سعادة الرئيس سبب التأخير والتقصير لأنه يعتقد أن عصام عراف ونايل عساف وأشقائه وفادي عساف ودانيال عساف وغيرهم ممن دفعوا ثمن الأسهم ليسوا سوى “رعايا” عند جلالته ولا يستحقون حتى الإجابة من عطوفته.
الرئيس الأمريكي يقول أنه خادم الشعب، أما رئيس الجمعية التعاونية في معليا فهو سيد الشعب. “ من سخرية القدر أننا نسميها تعاونية”.

سأتوجه اليوم إلى أحد المحامين لاتخاذ الخطوات القانونية المتاحة ضد هذا الاستهتار والإهمال.

يا أمة ضحكت من جهلها الأمم.

أرجو الجميع تعميم هذه المادة نشرا وشفهيا لتصل إلى جميع المواطنين في معليا، مع جزيل الشكر لكل من يستجيب.