Friday 30 October 2015

من صميم الواقع (المر)

من صميم الواقع (المر)

التقيت به عَرَضا عند أحد أصدقائه ودار الحديث حول شؤون الساعة وحول قضايا أخرى فكان له في كل شأن رأي، وبين آرائه وبين الحقائق التي تمت للمواضيع بصلة بون شاسع ولكنه يتحدث بثقة توحي للسامعين أنه يلم بالموضوع إلماما شاملا وليس عليهم سوى أن يحفظوا ما قاله ويرددوه على مسامع الآخرين لينتشر نور العلم بين ظهرانينا.
سألته بعد أن أتيح لي الكلام:
من أين لك كل هذه المعلومات وهذه الآراء؟
أنا مشترك في صحيفة يديعوت أحرونوت وأقرؤها باستمرار.
ولكن هذه الصحيفة تخدم عقيدة سياسية بعينها فهل تجهل ذلك؟
أنا استطيع أن أميّز بين المقالات والأخبار المُغرِضَة وبين الصحيحة.
كيف ذلك؟
أنا أيضا أشاهد الفضائيات الإخبارية وأستمع إلى الإذاعات.
وهل تثق بكل ما تشاهده وتسمعه؟
لم لا؟ هل يمكن للإنسان أن يكذِّبَ عينيه؟
وكيف لك أن تعلم بأن ما شاهدته أو سمعته ليس ملفقا؟
وهنا احتد محدثي وقال:
هل تريدني أن لا أقرأ ولا أشاهد ولا أسمع؟
أجبته على سؤاله بسؤال:
كم كتابا قرأت منذ أن أنهيت دراستك الجامعية؟
لم أقرأ شيئا.
هل تعني أنك منذ تركت الجامعة منذ أكثر من ربع قرن لم تقرأ كتابا واحدا؟
نعم، وما العيب في ذلك؟
أظنك تستطيع قراءة العربية والعبرية، أليس كذلك؟
نعم أستطيع.
نشرت عدة كتب بالعبرية في السنوات الأخيرة أحدثت الكثير من الاهتمام والتعقيب وقد ترجم بعضها للعربية أتظنها لا تستحق القراءة؟
أي كتب تقصد؟
كتب شلوموه زاند متى وكيف أُنشِأ الشعب اليهودي، متى وكيف أُنشِأت أرض إسرائيل وكتب هليل كوهين وإيلان پاپِه وأڤراهام بورچ وبيني موريس وغيرهم كما أن هناك العديد من الكتب العربية الجديرة بالقراءة مثل كتب محمد حسنين هيكل والياس خوري وأحلام مستغانمي وغيرهم.
أنا لم أسمع بهذه الكتب إلا الآن.
هذا الجواب يصدق فيه القول عذر أقبح من ذنب
بقي أن أذكر أن حضرته مدرس ثانوية منذ أنهى دراسته الجامعية.
أي جيل من الطلاب سيتخرج على يد مثل هذا الأستاذ؟
معليا في 30-10-2015 
  



Monday 26 October 2015

إلى جمهور القراء


إلى جمهور القراء

أبيات من وحي ما يُرى وما يُقرأ في صفحات التواصل الاجتماعي:
أنا لا أُهدي إلى أبصاركم***صورًا لا نَفعَ من تلك الصُّوَر
أنا لا أُهدي إليكم جُمَلًا***ليس فيها من معانٍ أو فِكَر
إنّما أُهدي إلى أذهانِكم***فِكَرًا صيغت بلفظٍ كالدُّرَر
أو علومًا يعرفُ المرءُ بها***عن خبايا الكونِ ما كان استَتَر
عصام زكي عراف

Wednesday 21 October 2015

فقراء في دولة الثراء


فقراء في دولة الثراء


خلاصة كتاب الفجوة المتسارعة Runaway Inequality للمؤلف Les Leopold

نقله عن الإنچليزية عصام زكي عراف


كيف يعقل أن يكون مثل هذا العدد من الفقراء في دولة في مثل هذا الثراء؟

الولايات المتحدة من الدول الأكثر غنى في تاريخ العالم غير أن الأمريكي الذي لا ينتمي إلى كبريات الشركات أو العلية السياسية لا يشعر بذلك.  في البيئة التي يعيش فيها العاملون الكادحون في الولايات المتحدة نجد أنّ البنى التحتية تتهاوى، المدارس تفصل المعلمين لعدم توفر المال اللازم لدفع أجورهم، مياه الشرب تكاد لا تصلح للشرب، السلطات البلدية في القرى والمدن تواجه الإفلاس، صناديق التقاعد العامة والخاصة على حافة الانهيار بينما المواطن العادي والطالب وأصحاب المنازل يعيشون تحت وطأة الديون المرهقة، أما القيمة الحقيقية لأجورهم (أي قدرة الشراء لساعة العمل) فهي ما زالت على حالها منذ السبعينيات.
كيف يعقل أن تكون الولايات المتحدة تنعم بهذا الغنى الفاحش بينما الخدمات فيها متدنية إلى هذا الحد وعامة الناس يرزحون تحت وطأه الديون والأجور على حالها منذ أمد طويل؟
الجواب: اتساع الفجوة باطراد بين الأغنياء جدا والفقراء.  ليست هذه هي المرة الأولى في التاريخ التي تسيطر فيها فئة قليلة من الناس على ثروات البلاد وعلى مصيرها فالفراعنة في مصر القديمة كانوا يملكون زمام الأمور وكذلك النبلاء والملوك في أوروبا خلال العصور الوسطى، وفي أميركا كان كبار الملاكين في الماضي البعيد ينعمون بخيرات البلاد، أما في العصر الحاضر فالأمر كله في يد أرباب الصناعة والمال من أصحاب الشركات الكبرى.
اتساع الفجوة أصبح يشوّه نظرة الناس وفهمهم لواقعهم وللطريقة التي بها تساس البلاد في أميركا ويخيب حلم المواطن الأميركي بأن أحوال الناس تتحسن باستمرار من جيل إلى جيل كما أنها تُخِلّ بتطبيق الديمقراطية والاعتقاد السائد بأن القدرة على التأثير في اتخاذ القرار تكاد تكون متساوية بين جميع المواطنين.
لنلقي الضوء على التفاوت في الكسب في أميركا: رغم كثرة الأحاديث التي تدور حول هذا الموضوع فإنه أسوأ بكثير مما تعتقد الغالبية العظمى من الناس، يبدو أن الإيمان الذاتي في العدالة يحول دون القدرة على إدراك الهوّة في الكسب بين الأغنياء والفقراء ويحجب عن العقول مدى السرعة التي تتسع بها هذه الهوّة يوما بعد يوما وإلى أي مدى تغلغل الجشع في نفوس أغنى طبقة في المجتمع الأميركي، تلك الفئة التي تكدِّس المزيد والمزيد من الثراء بينما الغالبية العظمى من الناس لا نصيب لها من ثروات الوطن.
التفاوت القائم يتجاوز الفرق بين ما يكسبه الأثرياء وما (لا) يكسبه الفقراء لأن تسارع اتساع الفجوة في الكسب يمزق النسيج الاجتماعي السائد منذ عقود حيث أن فائقي الغنى أصبحوا يعيشون في عالمهم الخاص بحيث لا يعتمدون على الخدمات العامة التي توفرها الدولة لأن أولادهم يدرسون على الغالب في مدارس خاصة بالأغنياء ولديهم عياداتهم الخاصة وطائراتهم الخاصة وسياراتهم الفارهة ومنتجعاتهم الخاصة، وفي واقع الأمر لا يعنيهم من أمر عامة الناس شيئا فهم في واد وعامة الناس في واد.
في الوقت ذاته يكدّس فائقو الغنى أموالهم خارج البلاد دون أن يدفعوا ما تستحقه الدولة وذلك بمساعدة خيرة المحاسبين والحقوقيين فتحرم خزينة الدولة من العائدات التي تنفق منها على الخدمات العامة كالمدارس والجامعات والمشافي والمواصلات والحفاظ على البيئة فتكون النتيجة أن غرف التدريس تكتظ بالمزيد من الطلاب والمزيد من الناس يعانون ويموتون لعدم توفُّر العناية الطبية اللازمة وهذا أيضا يزيد من الجريمة في المجتمع، بل وقد يحفز بعض السلطات في الولايات والمدن إلى إرهاق كاهل المواطنين بمزيد من الضرائب لتغطية النفقات المتزايدة فتتفاقم الأزمات ويكون نصيب الأميركيين ذوي البشرة الداكنة منها أكبر من نصيب غيرهم.
التفاوت في الكسب ينخر في عظام الديمقراطية ذاتها، الأغنياء الذين يصبحون أكثر غنى يسهل عليهم أكثر فأكثر أن يسخّروا المسؤولين ووسائل الإعلام لخدمة مصالحهم بواسطة أموالهم، بل إن أموالهم تستعمل لترجيح كفة المرشح الذي يريدونه بحيث يكون في ما بعد مجرد خادم مطيع لرغباتهم.  هم يصوّتون بأموالهم فيجعلون من المبدأ الديمقراطي الأهم: صوت واحد للشخص الواحد مجرد حبر على ورق بحيث نرى اليوم أن معظم الناس الذين انتخبوا للمناصب المختلفة لا يعبأون بمصالح عامة الناس بل بمصالح أصحاب الأموال الذين كانوا من وراء انتخابهم.  
هناك أكثر من مائة رسم بياني وتوضيحي تبرهن بما لا يدع مجالا للشك بأن الحال أسوأ بكثير مما يعتقد عامة الناس.
ما زال معظم الأميركيين يعتقد أن أميركا تتقدم جميع دول العالم في كل مجال فهي معقل الحرية والحياة الكريمة بل هي الفردوس الأرضي الذي باركه الله والذي يحلم به كل إنسان ومن أخفق في تحقيق النجاح والسعادة في أميركا فلا يلومنّ إلا نفسه لأن الفرص دائما مواتيه ولكنه لم يفعل شيئا ليغتنمها، هذا ما يحلو لكل سياسي في أميركا أن يردده في كل مناسبة، فما هي الحقيقة؟
صحيح أن الطبقة العاملة في أميركا كانت تنعم بحياة رغيدة أكثر من غيرها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى مطلع الثمانينيات، أما اليوم فقد انقلبت الآية فقد أصبح المجتمع الأميركي أكثر المجتمعات بعدا عن المساواة بين جميع الدول المتطورة: أكثر الأطفال فقرا، أكبر نسبة من عديمي المأوى، عدد نزلاء السجون يفوق عددهم في الصين وروسيا وتحسّن معيشة الناس أقل من معظم الدول الأوروبية، هذا بالإضافة إلى النفقات المرتفعة للخدمة الصحية التي تشمل عددا أقل من الناس وتعطي أسوأ النتائج، ناهيك عن الإسراف في استهلاك الطاقة والبنى التحتية المتدنية.
لا شك أن الواحد في المائة من الأميركيين أصبحوا أحسن حالا من أي وقت مضى لكن البقية من الناس أصبحت أحوالهم أسوأ من أي وقت من الماضي القريب.
يتعرّض الأميركي، مثل غيره من المواطنين في الدول الرأسمالية إلى وابل من المعلومات والأرقام تنهال عليه ليل نهار من كل حدب وصوب من وسائل الإعلام المرأيّة والمسموعة والمقروءة كلها تخبره عن أسعار الأسهم والعجز في ميزانية الدولة وميزان الصادرات والواردات وارتفاع غلاء المعيشة وانخفاض متوسط الدخل للفرد ونسبة البطالة والتضخم وغير ذلك من الأرقام التي لا يعرف أسبابها ولا أحد يتطوع ليشرح له كنهها فيظل في حيرة أمره لا يفقه من أسباب منغّصات عيشه شيئا.
لعل أسوأ ما في الأمر أن وسائل الإعلام برمّتها لا تذكر للمواطن أهم حقيقة يجب عليه أن يعرفها وهي أن الاميركي يعيش في ظل نظام رأسمالي، وأن هناك تضارب وصراع ناتج عن هذا النظام بين حاجة ورغبات أصحاب الشركات الكبرى وبين صحة المواطن ورفاهه التي تعني في النهاية سلامة واستدامة مُكَوِّنات الحياة نفسها على الكرة الأرضية تلك الأنظمة التي توفر لنا الحياة الكريمة والعافية إذا ما حافظنا عليها وحرصنا على سلامتها. 
لا أحد يخبر المواطن أن الجشع اللا محدود لأصحاب الشركات الكبرى والبنوك هو السبب وراء تدنّي مستوى المعيشة الذي تعاني منه الأكثرية الساحقة من الأميركيين.
ما يقال للأميركي بأن الاقتصاد عبارة عن آلة معقدة لا طاقة له على فهم كنهها والتحكم بها، وأن كل واحد يمثل جزءا في هذه الآلة الضخمة وما عليه سوى أن يقوم بالمهمة الموكل بها هذا الجزء وبذلك يحصل على ما يستحقه من نصيب في إنتاج هذه الآلة، هو مجرد تضليل يخفي حقيقة التناقض القائم بين أصحاب الشركات والعامل، بين الأغنياء وبين بقية المواطنين.
صحيح أن النظام الاقتصادي نظام معقد ومن الصعوبة بمكان التحكم به ولكن الحقيقة أيضا أن توجّهات هذا النظام يضع أسسها أشخاص يسعون لتحقيق مآربهم الخاصة.  هؤلاء الأشخاص من أصحاب المال والنفوذ هم الذين اختاروا قبل ثلاثة عقود أن يغيّروا مسار الاقتصاد تغييرا جذريا أدى إلى تآكل قدرة الشراء لساعة العمل باستمرار منذ ذلك الحين مما زاد في معاناة الطبقة العاملة وما زال.
النظام القائم هو من تخطيط وتنفيذ الطبقة الغنية وقد وضع لخدمة مصالحها.
لا سبيل للقضاء على هيمنة الواحد في المائة سوى باتحاد جميع الحركات التي تحارب استغلال العاملين واستنزاف الموارد الطبيعية واحتكار السلع والخدمات وهذا لا يتم إلا بتضافر جهود جميع المتضررين للوصول إلى انتخاب حكومة نزيهة مخلصة للطبقة العاملة، وليس حكومة الواحد في المائة كما هو الحال في العقود الأخيرة.