Thursday 10 September 2015

من الذي يرعى الإرهاب؟

من الذي يرعى الإرهاب؟


من الذي يرعى الإرهاب؟
حملة الحرب على الإرهاب التي أطلقتها إدارة الرئيس جورج بوش الإبن سنة 2001 أخذت تتعرى من الأقنعة التي نسجتها حولها أجهزة الإعلام المأجورة والمتحالفة مع المصالح المستفيدة من هذه الحرب.  من الجدير بالذكر أن التعبير في حد ذاته لا معنى له لأن كلمة إرهاب في اللغة الإنچليزية تعني استعمال العنف والتهديد لتحقيق أهداف سياسية، فهي إذن وسيلة أو خطة وهل يعقل أن تحارب خطة أو وسيلة؟ قد تحارب شخص أو مؤسسة أو قبيلة أو قرية أو دولة ولكن كيف تحارب خطة أو وسيلة؟   
في الأول من حزيران 2015 أعلن المدعي العام البريطاني في المحكمة المركزية أنه لم يعد هناك مجال لإدانة السويدي الجنسية بِرلِن چِلْدو المتهم بالقتال إلى جانب المسلحين ضد النظام في سوريا بعد أن اتضح أنّ الاستخبارات البريطانية كانت تزوِّد بالسلاح تلك المجموعات التي كان برلن يشاركها القتال.
من الواضح أن المدعي العام قرر إسقاط التهمة بعد أن ثبت أن الاستخبارات البريطانية كانت تسلِّح المجموعات ذاتها التي التحق بها برلن مما جعل محامي الدفاع يقول أن الاستمرار في المحاكمة يمثل “إهانة للعدل” لوجود العديد من الأدلة بأن الدولة البريطانية كانت  توفّر “الدعم الواسع” لجماعات المعارضة المسلحة في سوريا.
لم ينحصر الدعم الواسع للمسلحين في سوريا بتقديم الأسلحة “الغير فتاكة” فحسب, كالملابس الواقية والمركبات العسكرية، كما تفاخرت الحكومة البريطانية، بل شمل أيضا الإمدادات الميدانية والتدريب والسلاح على أنواعه على نطاق واسع. 
أشارت التقارير إلى أنّ جهاز الاستخبارات البريطاني إم آي 6 تعاون مع جهاز الاستخبارات الأمريكي سي آي إيه بتنسيق تام لنقل كميات كبيرة من مختلف الأسلحة من مخازن الجيش الليبي إلى المسلحين في سوريا بعد سقوط نظام القذافي سنة 2012 .
قبل أسبوعين من إلغاء التهم الموجه إلى برلن حكم القضاء البريطاني على أنيس سردار بالسجن مدى الحياة لأنه حارب قوات الاحتلال الأميركية-البريطانية في العراق سنة 2007 رغم أن القانون الدولي ومعاهدة جنيڤ لا تعتبر مقاومة الاحتلال الغير مشروع جريمة يعاقب عليها القانون، بين ما الوزراء الذين اتخذوا قرار الغزو الغير شرعي والعسكريون الذين نفذوه ظلوا بمنأى عن المقاضاة، لماذا؟ لأن تحديد من هو المعتدي ومن هو الضحية أصبح يخضع لوجهة النظر وليس للمعايير النزيهة، إرهابي الأمس في نظر أميركا وحلفائها هو صديق اليوم، يصنّفون الناس حسب أهوائهم ويجنّدونهم لكي ينفّذوا مآربهم المعلنة والخفية.
عادت أميركا وحلفاؤها من الجو إلى ساحة المعركة في العراق وسوريا تحت ذريعة ضرب قوات الخلافة الإسلامية وجبهة النصرة المنبثقة من تنظيم القاعدة (الذي جاء به الغزو الأمريكي-البريطاني إلى العراق) بعد أن اقتطعت أجزاء كبيرة من البلدين ومارست من الجرائم ما تقشعر له الأبدان، غير أن من الواضح أن هذه الحملة من الجو لم تحل دون احتلال جنود الخلافة المزيد من المدن والقرى في العراق وسوريا كمدينتي الرمادي وتدمر وغيرهما.
مؤخرا، كشف النقاب عن أحد تقارير الاستخبارات الأميركية الذي صدر في شهر آب 2012 الذي يتوقع بل ويرحب بإقامة ولاية سلفية في شرق سوريا وبإنشاء دولة إسلامية بزعامة القاعدة في سوريا والعراق.  ما ورد في تقرير وكالة استخبارات الدفاع الأميركية يتعارض كليا مع مزاعم الدول الغربية في ذلك الوقت، لأنه يشير بشكل واضح إلى أن السلفيين من أعضاء القاعدة وحلفائهم هم الذين يقودون الثورة  في سوريا وأن الدول الغربية ودول الخليج وتركيا تقدم لهم الدعم اللازم للاستيلاء على شرق سوريا.  ثم يمضي التقرير فيقول في هذا السياق: “هذا بالتحديد ما يريده الأطراف الذين يدعمون المعارض ألا وهو عزل النظام السوري الذي يعتبرُ العمق الاستراتيجي للتوسع الشيعي العراقي-الإيراني في المنطقة.
ما حدث بعد سنتين من كتابة التقرير المذكور أعلاه يثبت أنه كان المصباح الذي سارت على هديه سياسة أميركا وحلفائها رغم الجهد الكبير الذي بذل في صوغه بأسلوب ملتوٍ وغامض، وخلاصته أن الولايات المتحدة وحلفاءها يقبلون بدولة إسلامية سنّية من نوع ما لتكون حاجزا بين شيعة العراق وإيران وبين الدولة السورية رغم ما فيه من خطر على وحدة العراق لكي تبقى سوريا ممزقة وضعيفة.
هذا لا يعني بالضرورة أن الدولة الإسلامية ولدت من رحم الولايات المتحدة لكن اعتراف نائب الرئيس الأميركي جو بايدن في السنة الماضية بأن دولا خليجية حليفة ساهمت في إقامتها هو خير برهان على مباركتها لتلك الجهود.
لم يكن هناك وجود للقاعدة في العراق قبل الغزو الأميركي-البريطاني سنة 2003 ولكن من المؤكد أن الولايات المتحدة سخّرت وجود الدولة الإسلامية ضد قوى أخرى في المنطقة كوسيلة لتزيد من نفوذ الغرب وهيمنته على مصائر شعوب المنطقة.
تغيرت حسابات أميركا عندما بدأت الدولة الإسلامية بقطع رؤوس الغربيين وارتكاب الفظائع ونشرها في وسائل الإعلام المرئية ولذا رأينا أن دول الخليج أخذت تدعم فئاتا أخرى من المسلحين كجبهة النصرة مثلا.  مغازلة الحركات الإسلامية الجهادية ودعمها ثم إظهار الأسف والندم ليس جديدا في سياسة الولايات المتحدة، فقد سبق أن فعلت ذلك في أفغانستان في بداية الثمانينيات من القرن الماضي حين كانت القاعدة الإبن المدلل للسي آي إيه لحملها السلاح ضد النظام الأفغاني المدعوم من الاتحاد السوڤييتي في ذلك الوقت. مثل هذا النمط أعيد استخدامه بعد غزو العراق عندما قام الجيش الأمريكي بقيادة الجنرال پِتريئوس بإثارة الحرب القذرة وذلك بإنشاء فرق الموت للقضاء على المقاومة وإذكاء نار الفتنة الطائفية على غرار ما فعلته أميركا في إلسيلڤادور من قبل.
الخطة ذاتها نُفِّذت في ليبيا عندما قام حلف شمال الأطلسي بالمساعدة في القضاء على نظام القذافي وكانت من نتيجة ذلك أن الدولة الإسلامية استطاعت أن تسيطر على العديد من المناطق ومنها على مدينة سرت وهي مدينة معمر القذافي.
الممارسة الاستعمارية التقليدية “فرِّق تَسُد” هي ما يميّز سياسة الولايات المتحدة وحلفائها في أتون الشرق الأوسط المستعر بفضل “نخوتهم المفرطة”، يقذفون قنابلهم على رأس بعض الفئات المسلحة ويدعمون فئات أخرى: 
التعاون مع إيران الشيعية ضد الدولة الإسلامية في العراق، يقابله تأييد للسعوديين في حربهم ضد الحوثيين الشيعة في اليمن...
مهما قيل عن السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، فإن من الواضح أنها ترغب في إقامة كيانات هشة هزيلة في سوريا والعراق. والأمر كذلك فليس من المعقول أن تساهم الولايات المتحدة وحلفاؤها في هزيمة الذين احتضنتهم لسنوات طويلة وساعدت على استفحال أمرهم كما نراه اليوم.
التدخل العسكري الأمريكي على مدي عقود طويلة لم يجلب لسكان الشرق الأوسط سوى الفتن والتمزق والدمار، الخلاص لن يأتي سوى من شعوب المنطقة ذاتهم وليس من الذين حضنوا الجراثيم.  من كان السبب في الدمار لن يكون المبادر للعمار.  
نقله عن صحيفة الچارديان البريطانية مع بعض التصرف:
عصام زكي عراف