Sunday 9 October 2016

قضية الأراضي في فلسطين

قضية الأراضي في فلسطين


استجابة لطلب بعض الأخوات والإخوة سأحاول أن ألقي الضوء على قضية بيع الأراضي لليهود في فلسطين مع علمي الأكيد بأن الكثيرين قد كتبوا عنها وقد اطلعت على بعض ما كتبوه.
إثر التقرب الذي تبديه بعض الدول العربية من إسرائيل هناك محاولة مجددة لتحميل الفلسطينيين مسؤولية ضياع فلسطين بأنهم باعوا أرضهم لليهود.
لا شك أن بعض الفلسطينيين قد باعوا أرضهم لليهود ولكن من واجبنا أن نأخذ بعين الاعتبار الأمور التالية:
بلغ مجموع ما استطاعت الحركة الصهيونية واليهود في شرائه في فلسطين خلال ما يقرب من سبعين عاما %5.8 من الأراضي الفلسطينية وهذا أقل مما كانت تملكه الكنيسة الأرثوذكسية والذي بلغ %7.
كان للأمير عبد الله (الملك عبد الله في ما بعد) دورا كبيرا في التعاون مع الحركة الصهيونية ومع بريطانيا التي أتت به من الحجاز ونصّبته أميرا على شرق الأردن وذلك التعاون موثق بتفاصيله في كتاب آڤي شلايم:
Collusion Across the Jordan: King Abdullah, the Zionist Movement, and the Partition of Palestine, by Avi Shlaim
كان كبار البائعين من غير الفلسطينيين كأسرة سرسق التي باعت أربعمائة ألف دونم في مرج بن عامر وأسرة طيان التي باعت ثلاثين ألف دونم في وادي الحوارث (عيمك حيفر) وورثة الأمير عبد القادر الجزائري وغيرهم.
إقامة دولة يهودية في فلسطين كان من صلب الإجماع الأوروبي في القرن التاسع عشر للحؤول دون قيام قوة تهدد أمن أوروبا بعد أن ضعفت الإمبراطورية العثمانية وتضاءلت رقعتها رويدا رويدا وقد أطلق على ذلك الإجماع: القضية الشرقية، ومن أهم إفرازاته إرغام محمد علي على الانسحاب من بر الشام بعد أن انتصر ابنه إبراهيم باشا على الجيش التركي في معركة نصيبين في حزيران 1839 وكانت الطريق إلى اسطمبول مفتوحة لولا تدخل بريطانيا وروسيا وبروسيا والنمسا في اتفاقية لندن 1840 وإرغامهم إبراهيم باشا على الانسحاب إلى مصر بعد أن حكم بلاد الشام لعشر سنوات وبعد أن هزم الحركة الوهابية قبل ذلك في الجزيرة.
إثر معركة نصيبين استقر رأي بريطانيا على إقامة دولة يهودية في فلسطين للحؤول دون تحقيق المطامع الشريرة لمحمد علي كما ورد في رسالة من اللورد پالمرستون، وزير خارجية بريطانيا في ذلك الوقت إلي موشيه مونتيفيوري زعيم اليهود في بريطانيا في ذلك الوقت.
لم يكن لدى المجتمعات العربية عامة والمجتمع الفلسطيني خاصة القدرات البشرية ولا المادية لتنظيم مقاومة مسلحة تقف في وجه أكبر القوى في العالم في ذلك الوقت والبرهان على ذلك هو تقسيم المشرق العربي إلى دويلات تحت سيطرة بريطانيا وفرنسا ومنح بريطانيا الانتداب على فلسطين للقيام بتنفيد وعد بالفور. 
لعل أفضل مرجع مفصّل لتلك الصفقات بالإنجليزية هو الكتاب التالي:
The Land Question in Palestine, 1917-1939
غير أن الاستيطان اليهودي كان قد بدأ قبل ذلك بكثير.
في سنة 1879 أقام يهود القدس بالتعاون مع يهود صفد مستوطنتان جديدتان ولم يكن هناك حائل قانوني أمام إقامتهما لأنهم كانوا من رعايا الامبراطورية العثمانية وحق لهم شراء الأرض مثل غيرهم من المواطنين.
في سنة 1875 اشترى أحد يهود صفد واسمه إليعيزر روكح نصف أراضي قرية الجاعونة وفي سنة 1878 استوطن سبع عشرة أسرة يهودية على تلك الأرض وسموها چاي أوني على وزن القرية العربية جاعوني كما تلفظ بالعامية. 
إثر الديون التي تراكمت على المستوطنين اشترى البارون روتشيلد المستوطنة سنة 1883 ودفع ديونها ودعيت روش پينَّه والتي تعني رأس الزاوية بالعربية تيمنا بالآية 22 من المزمور 118 التي تقول: الحجر الذي رذله البنّاؤون أصبح رأسا للزاوية.
المستوطنة التي أنشأها يهود القدس بعدها بأسابيع قليلة كانت پيتَح تِكڤاه وتعني بالعربية باب الأمل وقد أخذ الإسم من الآية 17 في الإصحاح الثاني من كتاب هوشع وقد تيسر ليهود القدس شراء أكثر من ثلاثة آلاف دونم من أرض قرية ملبّس (أم لبّس؟) في شهر آب لسنة 1878 من أسرة سليم قصّار من يافا على اسم يهودي من القدس اسمه داڤيد چوطمان لأنه يحمل الجنسية النمساوية التي تبيح له شراء الأرض حسب القانون التركي وبعد سنة من ذلك باع أنطون طيّان من يافا أيضا، أكثر من تسعة آلاف دونم من أرض القرية لليهود.
كان عدد اليهود في فلسطين في تلك الفترة لا يزيد عن سبعة وعشرين ألفا حسب أقصى تقدير وكان معظمهم يعيش في القدس والباقون يسكنون في صفد والخليل وطبريا وأسرة واحدة في البقيعة هي أسرة زيناتي وكان معظمهم يعيش على التبرعات التي تصلهم من يهود العالم لاعتقادهم بوجوب وجود يهود في فلسطين لاستقبال المسيح المخلص عندما يأتي من الشرق ليخلّص شعبه.
عندما كانت المعونات-التبرعات تقل كان سكان فلسطين من اليهود يعانون الأمرين ولذلك عقد البعض منهم العزم على العمل في الزراعة وكانت مصدر الرزق الأهم في ذلك الحين لإعالة أنفسهم ودحر الفاقة التي كانت من نصيبهم عندما لا يصلهم ما يكفي من المعونات للعيش بكرامة وهذا ما دفعهم لشراء الأرض والعمل في الزراعة وقد أخفق المشروعان في روش پيناه وپيتاح تكڤاه لعدة أسباب منها عدم الخبرة للعمل في الزراعة وعدم القدرة على منافسة المزارع العربي ذو الخبرة الطويلة في الزراعة.
في السنة ذاتها أي سنة 1882 اشترى نائب القنصل البريطاني في يافا حاييم أمزلاچ 3340 دونما في منطقة عين قرة من مصطفى عبد الله علي الدجاني وأقيمت عليها المستوطنة ريشون لتسيون وقد أُخذ الإسم من الآية 27 الإصحاح 41 من سفر أشعيا.
اشترى يهوشوع حانكين الملقب بمخلّص الأرض الكثير من الأراضي العربية وفيما يلي قائمة بتلك الصفقات التي عقدها في العهد العثماني:
في سنة 1890 اشترى 10000 دونم أقيمت عليها مستوطنة رحوڤوت
في سنة 1891 ، اشترى ثلاثين ألف دونم من أسرة خوري عليهم أقيمت مستوطنة حديره 
في سنة 1910 اشترى 9500 دونم في الفولة قرب العفولة.
كما ذُكر آنفا، عانت جميع المستوطنات التي أقيمت من ضائقة مالية حادة كانت قمينة بأن تودي بمشروع الاستيطان برمته فتوجه بعض الغيورين على استمراره إلى الراب الأكبر لپاريس وفي ما بعد لعموم فرنسا واسمه تسادوك كاهن צדוק כָּהן الذي كان على علاقة حميمة مع البارون جيمس إدموند دي روتشيلد فاستجاب لنداء الاستغاثة وأرسل موظفين من قبله يشرفون على توزيع المعونات وتوجيه المستوطنين لزراعة محاصيل مجدية ككروم العنب وقد بنى المعاصر الحديثة لإنتاج الخمور وبعض الصناعات كمصنع الزجاج في طنطوره، وقد ساهم أيضا في توفير خدمات الصحة والتعليم، كما جُلبت بعض أنواع الأشجار التي لم تكن معروفة في البلاد كالأڤوكادو وهكذا أنقذ البارون روتشيلد مشروع الاستيطان كما ساهم في شراء مساحات كبيرة من الأرض من الحكومة التركية وتجفيف مستنقعات الخضيرة وكان مجموع المستعمرات التي أقيمت أو أنقذت بأمواله أربع وثلاثون وكان يرشو الموظفين الأتراك في البلاد وفي اسطمبول لكي يغضوا النظر عن شراء الأراضي وإقامة المستعمرات الجديدة وساهم ذلك في توطين ما يزيد عن عشرين ألف يهودي من شرق أوروبا ومن اليمن وكان مجموع ما قدمه للاستيطان اليهودي في فلسطين ما عدا شراء الأرض والمشاريع المختلفة أربعين مليون فرنك فرنسي.
من الجدير بالذكر أن سبعا من تلك المستوطنات كانت بأسماء أعضاء من أسرته كزخرون يعكوڤ باسم والده ومزكيرت باتيا باسم والدته.
مساهمة أسرة روتشيلد في الاستيطان اليهودي فلسطين موثقة جيدا في الكتاب التالي للمؤرخ اليهودي-البريطاني سيمون شاما:

Two Rothschilds and the Land of Israel by Simon Schama

وفرت تلك الهجرة المسماة الهجرة الأولى القاعدة المثالية لتوسيع الاستيطان اليهودي في ما بعد من حيث انتشارها من الجنوب إلى الشمال ومن حيث الخبرة التي اكتسبت في مجالات الزراعة والصناعة والإدارة.