Friday 7 April 2023

ضرورة التصويت

 

ضرورة التصويت


زعم بعض الذين عقبوا على ما كتبته بالأمس أن مقاطعة الانتخابات هي السبيل الأمثل لنفي الشرعية عن دولة إسرائيل واسترداد الحق الفلسطيني بكامله بما ذلك عودة جميع اللاجئين، وبعضهم يقابل ما بين إسرائيل وبين نظام الفصل العنصري الذي أقامه الأوروبيون البيض في جنوب أفريقيا وروديسيا.
إذا كانت السياسة هي إنجاز الممكن فإن ما يدعو له هؤلاء الأخوات والإخوة أبعد من عنقاء مُغرب عن الواقع.
كيف سيتاح رجوع اللاجئين إلى قراهم ومدنهم التي طردتهم منها القوات اليهودية سنة ١٩٤٨ وفي ما بعد؟ إذا كان من حل ممكن لقضية اللاجئين فإنه لن يكون إلا بالتفاوض مع حكومة إسرائيل وتوطين العائدين في بدائل لأن من غير المعقول أن تهدم جامعة تل أبيب التي بُنِيت على أنقاض قرية الشيخ مؤنس وتعاد الأرض لأهالي القرية أو أولادهم وأحفادهم وهذا ينطبق على العديد من القرى والمدن كقرية الكابري مثلا في أسفل الجليل الغربي والتي أقيم على أنقاضها كيبوتس كابري.
من يظن أو يتوهم أن السبعة ملايين يهودي الذين يعيشون في إسرائيل سوف يختفون بقدرة قادر فهذا شأنه ولكن من الواضح أنه يعيش على كوكب غير كوكبنا.
لا مناص من التعاون العربي مع الأحزاب التقدمية اليهودية أو خوض الانتخابات بقائمة مشتركة كالجبهة مثلا لأن مطالبة اليهودي بإنصاف العربي يذهب صداها أبعد كثير في إسرائيل من صوت العربي من داخل البلاد أو من خارجها شئنا ذلك أم أبينا. عندما زار أوري أڤنيري ياسر عرفات في صيف ١٩٨٢ والحرب محتدمة في حصار بيروت كان لذلك أصداءً واسعة لا يمكن أن تكون لزيارة محرر جريدة عربي في ذلك الوقت.
ألم تكن المفاوضات الفلسطينية في أوسلو وتوقيع الاتفاق الشهير (المليء بالثغرات لصالح إسرائيل) في الثالث عشر من أيلول سنة ١٩٩٣ دليلا قاطعا على اعتراف منظمة التحرير بالواقع القائم؟
لست أدري كيف ستختفي دولة تحظى بدعم غربي غير مشروط وتمتلك ترسانة نووية ضخمة وجيشا مجهزا بأحدث الأسلحة واقتصاد مزدهر ومراكز أبحاث صناعية وعلمية هي في الطليعة بشهادة كل مطّلع والعديد من علمائها حصل على جائزة نوبل.
أما بخصوص جنوب أفريقيا وروديسيا (زيمبابوي في ما بعد) فإن الأمر يختلف اختلاف بيّنا ولا مجال للمقابلة على الإطلاق. لم يزعم أحد حتى من أعتى غلاة البيض بأنه عاد إلى أرض أجداده ولم يكن هناك أي شك بأن النظامين كانا نظامين عنصريين بينما يزعم اليهود (دون حق كما أثبت ذلك المؤرخ شلوموه زند في كتابه “كيف ولدت بدعة الشعب اليهودي) أنهم أحفاد العبرانيين القدامى وأن سفر التوراة هو وثيقة الاستملاك التي وهبهم إياها الرب، بل أن اليمين يزعم بأن الوجود العربي هو الوجود الغير شرعي لأنهم احتلوا البلاد عنوة وأخذوها من سكانها الأصليين.
واقع الأمر هو غير ذلك تماما لأن فكرة إقامة دولة لليهود في هذه البقعة من الأرض كانت وليدة فكر القنصل البريطاني في دمشق في القرن التاسع عشر ((١٨٠٧-١٨٦٩ والملقب عند سكان دمشق في ذلك الحين بتشرشل بك وذلك إثر الهزيمة النكراء التي حاقت بالجيش العثماني على يد ابراهيم باشا المصري-الألباني الأصل الذي حكم بلادنا في ذلك الوقت وأيّد تلك الفكرة اللورد پالمرستون وزير الخارجية في السنة ذاتها أي ١٨٤٠ في شهر آب بعد مؤتمر لندن ألذي أجبر ابراهيم باشا على الانسحاب من بلادنا وهكذاعاد حكم الأتراك الذي استمر حتى ١٩١٩.
في رسالة بعثها وزير الخارجية پالمرستون إلى موشيه مونتيفيوري رئيس الجاليات اليهودية ليحثه على جمع كلمة اليهود لإقامة دولة في بلادنا جاء “يجب العمل على إقامة دولة يهودية شمال سيناء لكي تقف في وجه المطامع الشريرة لمحمد علي”.
“مطامع” محمد علي “الشريرة” كانت إقامة دولة تمتد من مصر والسودان وتشمل الجزيرة العربية التي قضى فيها على الحركة الوهابية سنة١٨١٨ لتشمل سوريا الكبرى والعراق وهذا ما يهدد مصالح أوروبا عامة ومصالح بريطانيا خاصة والطريق البري لأهم مستعمراتها وهي شبه القارة الهندية.
لو كان في وسع البريطانيين أن يجدوا ذريعة مستساغة لاستيطانهم في فلسطين لفعلوا ذلك ولكن الذريعة متوفرة لليهود ولذلك وهذا ما كان بعد أكثر من قرن على ميلاد تلك الفكرة.
عندما كان هرتسل يقابل حكام أوروبا لتأييد إقامة دولة يهودية في فلسطين كان يقول لهم: هذه الدولة ستكون رأس الحربة الأوروبي ضد البرابرة “أي العرب”.
عندما كتب المؤرخ يهوشوع براڤر مقالا (قبل أكثر من أربعة عقود على ما أذكر) يقابل فيه بين الدولة الصليبية وبين إسرائيل استضافه يارون لندن في برنامج “طاندو” وكان أن سأله هل تعتقد أن نهاية إسرائيل ستكون كنهاية الصليبيين في الشرق؟ أجابه:
“أترك ذلك الاستنتاج للقارئ”
انهارت الدولة الصليبية في الشرق عندما تخلت عنها دول أوروبا لأسباب لا متسع للخوض بها ولكن دول الغرب وأميركا على رأسها ستظل ترى في إسرائيل ذخرا استراتيجيا لا غنى عنه، بل أن من مصلحتها أن يحتدم الصراع في الشرق ويتحول إلى صراع ديني وذلك بتشجيع التطرف الديني عند الطرفين وهذا ما حصل ويحصل منذ سنوات فيبدو الآن وكأن حلفا يهوديا-سنيا يحارب حلفا شيعيا في سوريا والعراق واليمن.
بلغ الأمر بأهمية إسرائيل للولايات المتحدة في السنوات الأخيرة حتى أصبح البيت الأبيض ينفذ جميع رغبات اليمين الإسرائيلي ولم يكن نقل السفارة الأميركية إلى القدس والاعتراف بضم الجولان سوى الدليل الساطع على النفوذ الإسرائيلي في البيت الأبيض ويبدو أن نتانياهو واثقا من موافقة ترامپ على ضم الضفة الغربية إذا ما انتخب لولاية ثانية.
الغاية من هذا الشرح الطويل نوعا أن أقول: علينا أن نحاول التأثير قدر المستطاع على القرار الإسرائيلي وذلك لن يكون إلا بإدخال أكبر عدد ممكن من النواب الوطنيين إلى الكنيست.
تصوروا لو صوت جميع العرب لحزب واحد موحّد وأصبح لنا أكثر من عشرين عضوا باشتراك دعاة السلام من اليهود!
حزب كهذا قد يصبح “بيضة الميزان” وكتلة مانعة أمام اليمين المتطرف وقد يحقق الكثير للمواطنين العرب كتوسيع رقعة الخرائط الهيكلية للقرى العربية وزيادة استيعاب خريجي الجامعات في شركة الكهرباء والمرافق الحيوية الأخرى في البلاد.
وفي الختام أقول للذين يدعون لمقاطعة الانتخابات: ماذا كنت ستفعل لو كان التصويت إلزاميا مثل بعض الدول؟
لعلك ستقول: سأضع ورقة بيضاء في الصندوق، وأنا أكرر وأقول ليس من الحكمة أن نتنازل عن حقنا في التصويت لأنه حق وواجب ومن الأفضل أن يكون لنا صوت في الكنيست من أن لا يكون.
وهنا يحضرني بيان ألقاه أوري أڤنيري عندما كان عضوا في الكنيست يشجب فيه مشروع قانون تقدمت به الحكومة وعندما قال له رئيس الكنيست (يسرائيل يشعياهو على ما أذكر) سيد أڤنيري، أنت تعلم أن القانون يحظى بموافقة الغالبية العظمى من أعضاء الكنيست فلماذا تهدر وقتك ووقت الكنيست في معارضته؟ أجابه أڤنيري:
أنا أعلم ذلك جيدا يا سيدي ولكنني لا أريد أن يقال أنني كنت هنا ولم أرفع صوتي ضد مشروع قانون سيّء.