Friday 7 October 2022

المؤامرة على سوريا

 هل ومتى ستكف الأقلام المأجورة والضمائر المرتهنة عن التضليل

ما زال بعض الذين باعوا ضمائرهم منذ عهد بعيد يزعمون شتى المزاعم الكاذبة ويحاولون النيل من الحكومة السورية ومن الرئيس السوري بشار الأسد ويتهمونه بأنه طاغية وظالم يبيد شعبه.
لم ولن ينسوا للرئيس الأسد الذي وصف أسيادهم وأولياء نعمتهم بأنصاف الرجال ووصف مواقفهم بأنها أنصاف مواقف.
يحاولون النيل من سمعة الرئيس الأسد بمزاعم لا أساس لها من الصحة وتجاهل مطلق للجرائم التي ارتكبها الهمج المرتزقة من كل حدب وصوب من تدمير للمعالم التاريخية وبيع النساء في سوق الجواري وأكل أكباد الجنود وتصحير منطقة الجزيرة التي كانت تنتج لسورية كفايتها من الحبوب كما باعوا محتويات ألف وستمائة مصنع من مواد وآلات للأتراك وكانت عماد الاقتصاد السوري وباعوا ملايين براميل النفط للتجار الأتراك بعشرة دولارات للبرميل ونهبوا بنوك الموصل وثروات أهلها خاصة المسيحيين منهم.
ومع ذلك يريدنا أن نصدق بأن السعودية التي تبيد اليمنيين بالجملة منذ أكثر من سنة وقنابل طائراتها تمزق الأطفال والنساء وتحرق الشجر وتدمر الحجر هي رائدة الديمقراطية وعلينا أن نصطف بجانبها وبجانب قطر وأميركا وإنچلترا ضد الشعب السوري ونحن نعلم حق العلم أن الشعب السوري يدفع ثمن مواقف حكومته المشرفة من كل القضايا القومية.
الشعب السوري الذي استقبل أكثر من مليون ونصف مليون عراقي شردتهم أميركا وآل سعود من بيوتهم والذي آوى مئات آلاف النازحين في حرب لبنان الثانية يدفع ثمن وقوفه إلى جانب الحق في مجابهة الغطرسة والضلال.
لو رضي الرئيس الأسد أن يتخلى عن حلفائه لما أطلقت رصاصة واحدة في سوريا! ولكنه رجل مبادئ سامية وأخلاق فاضلة يأبى أن يتخلى عن حلفائه ولم يهرب من المعركة مثل غيره بل قادها ويقودها بحكمة وثبات وإصرار أدهش العالم أجمع وجعله محل تقدير الأعداء قبل الأصدقاء.
لا أزال أذكر عشرات المقالات التي تنبأت برحيله خلال الأشهر الأولى من بداية المؤامرة وقد اكتظت بها الصحف الغربية عامة والإسرائيلية خاصة، كان أحدها بقلم إفرايم سنيه السياسي الإسرائيلي المعروف الذي تنبأ بسقوط الأسد خلال ثلاثة أشهر.
يريدوننا أن نصدق بأن حكام السعودية دعاة تنوير وإصلاح وهم الذين كانوا يبيعون الناس في سوق العبيد في مدنهم لخمسين سنة خلت وما زالت النساء في بلادهم تعاني من الظلم الفادح والمواطن مجرد من كل الحقوق وما زالوا يطالبون برحيل الأسد دون أن يخبروننا من أي شرعية يستمدون حكمهم هم وآل ثاني وغيرهم.
تريدوننا أن نتخلى عن ضمائرنا وعن رجولتنا وعن عروبتنا وعن كرامتنا مقابل حفنة من الدولارات. ذلك لن يكون ولو فرشتم تحت أقدامنا كل أموال العالم.

Tuesday 4 October 2022

داؤود الفلسطيني وجوليات اليهودي

داؤود الفلسطيني وجوليات اليهودي"

هذا مقال آخر للبروفيسور شلوموه زاند، أستاذ التاريخ في جامعة تل أبيب، وقد رفضت الصحف العبرية نشره، كما حدث من قبل لمقال آخر له عن أحداث عكا، فأرسله إلي لكي أترجمه للقراء العرب، وقد قمت بذلك مع بعض التصرف الذي يعزز وجهة نظر الكاتب.

مع جزيل الشكر للمؤلف

عصام زكي عراف
معليا، الجليل الغربي


30/01/2009 18:09

"داؤود الفلسطيني وجوليات اليهودي"
منذ بداية الاستيطان اليهودي-الصهيوني في فلسطين منذ أكثر من قرن من الزمن، كانت الحركة الصهيونية ودولة اسرائيل في ما بعد، تنظر إلى نفسها كأقلية مضطهدة وضعيفة تبحث لنفسها عن مكان تحت الشمس تلوذ به. نجح المشروع الصهيوني نجاحا باهرا في توطيد أقدامه في فلسطين واستطاع أن يبني له دولة يهودية صغيرة في سويداء قلب العالم العربي، وعلى حساب مواطنين عرب يفوقونهم عددا.
منذ بداية الاستيطان أيضا، كانت الحركة الصهيونية تشهر بيمينها صك امتلاك لفلسطين ،ألا وهو كتاب التوراة، وتحمل في جعبتها ذكريات المجازر الأوروبية، والنازية منها على وجه الخصوص. لم يعد هناك اليوم أدنى شك لدى المؤرخين أن القوة العسكرية للمواطنين اليهود في سنة 1948 فاقت كثيرا مجموع ما يمتلكه العرب من القوة في ذلك الوقت، رغم أن الصورة التي غرستها الزعامة الصهيونية في أذهان رعاياها كانت على النقيض من ذلك.
تعاظمت القوة الضاربة للجيش الإسرائيلي باطراد، بواسطة السلاح الفرنسي في بداية الأمر، ثم الأمريكي في ما بعد، واستطاع التغلب على الجيوش العربية التي واجهته في معارك غزة وسيناء (العدوان الثلاثي، البريطاني-الفرنسي-الإسرائيلي على مصر) سنة 1956 ، وحرب حزيران 1967 ، وحرب أكتوبر-تشرين 1973.
لم يكن هناك في واقع الأمر قوة عسكرية ذات بال في الشرق الأوسط تهدد الجيش الإسرائيلي. منذ حرب تشرين لم يعد طيارو سلاح الجو الإسرائيلي مقاتلون في الأجواء، ولم تحدث معركة جوية واحدة، كما أن جنود سلاح البر وسلاح البحر يقومون منذ ذلك الوقت على الغالب بمهمة حراسة الحدود. علينا أن نعترف أن المهمة الرئيسة للجيش الإسرائيلي المدجج بخيرة السلاح الأمريكي (من طائرات مختلفة الأنواع والأحجام ومن الصواريخ المختلفة ومن الدبابات المتطورة حتى دروع الجنود) أصبحت قمع المواطنين الفلسطنيين الذين يجرؤون على مقاومة الظلم الذي يتعرضون له، وإخضاعهم وقهرهم بكل الوسائل.
كثيرا ما سمعنا المتحدثون باسم حكومة إسرائيل، ومعهم العديد من الإسرائيليين ومن أنصار إسرائيل في كل مكان (ومنهم بعض العرب)، يرددون القول التالي:
"من حق كل دولة أن تدافع عن حدودها وعن مواطنيها عندما تتعرض للاعتداء وتصبح مدنها وقراها عرضة لإطلاق الصواريخ"
أليس من حق كل ذي عقل أن يتساءل:
"تكاد كل دول العالم تعرف حدودها، فهل من إسرائيلي أو أي واحد من أنصار إسرائيل يستطيع أن يدلنا على حدود إسرائيل؟"
دولة إسرائيل لا تخضع للقوانين والأعراف الدولية المألوفة، فهي دولة بدون حدود. حتى لو عدنا إلى "الصك التوراتي" الذي يقول بأن أرض الميعاد التي "منحها" الله لبني إسرائيل تمتد من النيل إلى الفرات لما كان في وسع أكثر المؤمنين به غُلُوّا أن يدلنا على تلك الحدود.
قبل حرب سنة 1948 كان اليهود يملكون أقل من ستة في المائة من أرض فلسطين الواقعة تحت حكم الانتداب البريطاني، بعد الحرب صاروا يسيطرون على ما يقرب من ثمانين في المائة من مساحة فلسطين الواقعة بين نهر الأردن والبحر المتوسط. بعد حرب حزيران 1967 أصبحت كافة أراضي فلسطين من النهر حتى البحر تحت سيطرة إسرائيل ومعها سيناء وهضبة الجولان السورية.
منذ سنة 1967 بدأت إسرائيل في إقامة المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية وقطاع غزة دون أن تعلن عن ضم تلك المناطق إليها لكي لا تضطر لمنح سكانها الفلسطينيين حقوقا مدنية، لكي تبقيهم خاضعين للقوانين العسكرية، والتعسف والخسف دون رقيب أو حسيب.
حتى سنة 2002 ظلت إسرائيل تزعم باستمرار أن عدم اعتراف الدول العربية بها هو المبرر لاستمرارها بالتشبث بما احتلته من الأراضي العربية. لا شك أن تلك الذريعة الواهية سقطت، بعد أن اتخذت الجامعة العربية قرارا عرضت فيه على إسرائيل سلاما شاملا وعلاقات دبلوماسية مع الدول العربية مقابل انسحاب إسرائيل إلى حدود 1967. تجاهل زعماء إسرائيل تلك المبادرة العربية واستمروا في تعزيز الاستيطان في الأراضي المحتلة واستمروا في إقامة الجدار العازل، لنهب المزيد من الأراضي القليلة التي بقيت للفلسطينيين، كما استمر الجيش الإسرائيلي في حراسة تلك المستوطنات وتقطيع أوصال الضفة الغربية بمئات الحواجز التي حولت حياة الفلسطينيين إلى جحيم لا يطاق.
تزعم إسرائيل أنها رغم انسحابها من غزة، استمر الفلسطينيون في اعتداءاتهم عليها. الحقيقة هي، أن إسرائيل سحبت جيشها من غزة دون أن تعطي لسكانها أي سلطة حتى ولا الوهمية منها، لقد جعلت منها سجنا، تتحكم إسرائيل في جميع نواحي الحياة لسكانه، تقطع عنهم الإمدادات الحيوية متى تشاء وتغلق المعابر متى تشاء، حتى صيادي السمك يحرمون من ممارسة عملهم دون أذية ودون تضييق الخناق عليهم من البحرية الإسرائيلية. الغاية التي يضمرها القادة الإسرائيليون هي إقامة سجنين شبيهين لغزة في الضفة الغربية والقضاء على فرصة إقامة دولة فلسطينية تتوفر لها أدنى حاجات العيش، بل مخيمات كبيرة يسعى سكانها للفرار منها لأنها لا يمكن أن توفر لهم العيش الكريم.
من السخرية العجيبة والتناقضات الغريبة أن إسرائيل تزعم أن قطاع غزة يتمتع بالحكم الذاتي والسيادة. لماذا إذن تتهم الفلسطينيين بتهريب الأسلحة؟ أوليس لكل كيان شرعي مستقل، الحق في اقتناء الأسلحة للدفاع عن نفسه ولحفظ أمن سكانه؟ إسرائيل ترفض أي نوع من التساوي بينها وبين الفلسطينيين حتى على الورق، لذلك يبقى حق الدفاع عن النفس حكرا على إسرائيل أما داؤود الفلسطيني فعليه أن يبقى تحت رحمة جوليات الإسرائيلي. هذا هو السبب أيضا في رفض إسرائيل القبول بطلب حماس لتطبيق التهدئة في الضفة الغربية أيضا، حيث استمرت في اغتيال واعتقال من تشاء من الفلسطينيين بذرائع مختلفة للقضاء على كل فلسطيني تخول له نفسه أن يقاوم الاحتلال. إسرائيل تسعى منذ عهد طويل لسحق الفلسطينيين وإذلالهم بحيث لا يجرؤوا حتى على التفكير في المقاومة. هذا عدا الانتهاكات العديدة للتهدئة، التي قاربت المئتين.
من الجدير بالذكر أن الغاية من انسحاب أريئيل شارون من غزة دون اتفاق مع الفلسطينيين كانت للحؤول دون قيام مفاوضات جدية تفضي إلى الانسحاب من الضفة الغربية والقدس العربية وقيام دولة فلسطينية قادرة على النهوض بشعبها، وهذا يشبه انسحاب إيهود براك من لبنان دون إبرام اتفاقية تضطره للانسحاب من هضبة الجولان. لا شك أن سكان جنوب أسرائيل الذين يتعرضون للقذائف الصاروخية وغيرها، يدفعون اليوم ثمن الاحتفاظ بالأرض المحتلة والمستوطنات وتوفير الأمن والرخاء للمستوطنين.
من حسن حظ إسرائيل أن حماس فازت في الانتخابات التي لا يشك أحد بنزاهتها. من حسن حظها أيضا أن منظمة التحرير الفلسطينية لم تقبل بحكم الناخب الفلسطيني مما أدى إلى انشقاق الصف وتفسخ الوحدة الفلسطينية واستئثار كل فريق من الفريقين بمنطقة نفوذ يحاول فيها أن يكتم أنفاس الطرف الآخر. أدى ذلك إلى تنكر الدول الغربية (وما يسمى بالأنظمة العربية المعتدلة) لحماس وفرض حصار خانق على السكان لم يترك لهم فرصة سوى اللجوء إلى العنف. في الوقت ذاته كان محمود عباس ومؤيدوه من الذين تدعوهم إسرائيل "معتدلين" يحظون بمغازلة إسرائيل ويتفاوضون معها. لم تجلب تلك المفاوضات اللانهائية العبثية، سوى المهانة والإذلال لمحمود عباس وأنصاره، مما برهن على أن حماس محقة في رفضها للتفاوض مع إسرائيل طالما لا يبدو بصيص أمل من تلك المفاوضات. أصبح من الواضح أن إسرائيل تسخر من عباس وسلطته وأن اللغة الوحيدة التي تفهمها هي لغة القوة!
يقول المؤرخ البريطاني اللورد أكتون (1834-1902): " القوة مَفسَدَة، أما القوة المطلقة فهي مُطلَقُ الفساد".
إسرائيل تملك الكثير من "القوة" وقد رأينا الدليل القاطع على ذلك في هجومها الأخير على غزة. برهنت إسرائيل أيضا أنها لن تتورع ولن تتردد في قتل مئات الفلسطينيين للحؤول دون إصابة جندي إسرائيلي واحد، فكانت النتيجة أن معظم الضحايا الفلسطينيين كانوا من النساء والأطفال وأن معظم المقاتلين الفلسطينيين قتلوا بالقصف الجوي والبحري والمدفعي قبل وقوع الاجتياح البري. هذا لم يحل دون إطراء وسائل الإعلام الإسرائيلية للهجوم، ونعته بأنه كان نصرا باهرا لا مثيل له.
من سخرية القدر أن نرى بطلي الأسطورة التوراتية يظهران مرة في رقعة الأرض ذاتها أو قريبا منها، غير أن جوليات هذه المرة هو الجيش الإسرائيلي المدجج من رأسه حتى أخمص قدميه بأحدث ما أنتجته المصانع من أسلحة، وهو الذي يعلن انتصاره على الملأ، على داؤود، ذلك الفلسطيني "المسلم" الصغير الذي يزدريه الجميع والذي لا يزال يعاني الأمرين مما يسومه إياه جوليات من خسف محاولا سحقه حتى الهباء في هذه الاقتتال المستمر منذ عقود طويلة.
من الواجب أن نعترف بأن الوضع القائم في الوقت الحاضر والذي لا تواجه فيه إسرائيل أي تحد فعلي لقوتها العسكرية، سيجعل من غير المحتمل أن تنسحب من الضفة الغربية.
المجزرة الأخيرة في غزة والتي كانت الانتخابات الإسرائيلية المقبلة من بين دوافعها، لن تفيد إسرائيل في شيء ولن تعزز حقها في الوجود في الشرق الأوسط. يجب على جميع اليهود في إسرائيل أن يعلموا بأن هؤلاء الذين يطلقون صواريخهم قليلة الشأن على عسقلان، هم أبناء وأحفاد الفلسطينيين الذي طردتهم إسرائيل منها إلى قطاع غزة سنة 1950 .
ما لم تعترف إسرائيل بمسؤوليتها عن الغبن الذي ألحقته بالفلسطينيين والمعاناة التي أنزلتها بهم فلن يكون هناك حل عادل لهذا الصراع.

لعل هذه الحرب الأخيرة توقظ ضمير العالم الغارق في نومه فيستعمل ما لديه من وسائل ضغط، لإكراه أحفاد ضحايا الأمس للوصول إلى اتفاق مشرف مع ضحايا المأساة الحالية.