Friday 30 November 2012

لماذا نهرم

لماذا نَهرَم؟

البحث الأزلي عن الشباب الدائم كان ولا يزال يشغل عقول غالبية البشر. من منا لا يرغب أن يبقى في شرخ شبابه وأوج نشاطه، حيث لا يفقد شيئاً من نضارة وجهه ولا من قواه البدنية والعقلية؟ 
كلنا يعلم ما يحدث لكل إنسان (ومعظم الحيوانات) عندما يتقدم به العمر. ولا يخفى أيضاً أنّ تأثير الشيخوخة على الأفراد يختلف اختلافاً بيّناً من فرد لآخر. 
بعض الأشخاص، ما أن يبلغ الستين حتى نراه وقد تجعّد وجهه وترهل لحمه وفقد الكثير من ذاكرته وغاض نشاطه واعتراه فتور في كل شيء. بالإضافة إلى ذلك يصبح فريسة سهلة للأمراض لأن جهاز المناعة في جسمه قد اعتراه الضعف والوهن أيضاً، فلم يعد يقوى على التغلب على أسباب الأمراض.
بعض الناس قد يتجاوز التسعين من عمره ويظل يزخر بالنشاط والحيوية والعطاء. هذه مثلاً الراهبة، الأخت ماتّيا غورْس قد احتفلت بعيد ميلادها الثالث بعد المائة في ديرها الواقع في مانكاتو في ولاية مينسّوتا ولا زالت تحيك كل يوم زوجاً من القفازات تقدّمه للمحتاجين. مثلها الكثير من رفيقاتها الراهبات يمارسن الأعمال المختلفة ويتجاذبن أطراف الحديث وتسمعهنّ يستعدن ذكريات أيام الصبا بكل تفاصيلها وكأنّها وقعت بالأمس لم يفقدن من ذكرياتهن شيئا.
هؤلاء الراهبات وافقن على الاشتراك في دراسة تشمل جميع أعضاء الرهبانية الذي يقارب خمسمائة وخمسين راهبة، تجرى لهن الفحوص والاختبارات من قبل الباحثين وقد تبرّع جميعهن بأدمغتهن بعد الوفاة لمعهد الأبحاث علّ ذلك يساعد العلماء في إماطة اللثام عن أسباب الشيخوخة. 
لا تنعم جميع الراهبات المسنات بسلامة العقل والبدن التي تنعم بها الراهبة غورْس وأمثالها، فهناك من تعاني من تَنَخُّرِ العظام أو الشلل النصفي أو فقدان الذاكرة وغير ذلك من أمراض الشيخوخة المعروفة. 
تمّ اختيار الراهبات لأن ظروف معيشتهن متشابهة من حيث البيئة الاجتماعية والغذاء والعمل، أكثر بكثير من أي فئة أخرى مما يساعد على معرفة أسباب الفروق بين الحالات المختلفة عند التقدم في السن.
يشرف على البحث ديفيد سنودون من جامعة كِنتاكي مع لفيف من الباحثين الذين يدرسون تأثير مرور الزمن على الديدان، الحشرات، الفئران والقرود علهم يستطيعون الإجابة على الأسئلة الكثيرة التي تشغل بال العديد منا.
معظم الباحثين في هذه الأيام يعلقون الآمال على الدراسات التي تهدف لمعرفة التفاعلات الكيماوية التي تتم في الخلية الحية ومنها نستطيع أن نعرف الأسباب المؤدية إلى الأمراض المختلفة الناتجة عن العوامل الوراثية، الغذائية، البيئية، الاجتماعية والنفسية. لا شك أنّ طول العمر يتعلق بهذه العوامل مجتمعة .
في الإمبراطورية الرومانية كان متوسط عمر الإنسان لا يتجاوز الإثنين وعشرين عاما، في نهاية القرن التاسع عشر وصل إلى سبع وأربعين سنة في الولايات المتحدة، وبعد مرور أقل من قرن من الزمن، ونتيجة لتحسن الأوضاع الصحية بفضل الطب الوقائي والعلاجي، نجد أنّ متوسط العمر في العالم يقارب الخامسة والستين،(ثمانية وثلاثون في سيراليون وثمانون في اليابان) أما في الولايات المتحدة فهو تسع وسبعون للنساء واثنان وسبعون للرجال.
ليس من السهل تعريف الشيخوخة بدقة، غير أنّ الفرق الواضح، بل قل الصارخ بين صورتين للدماغ أخذتا لشخص في الخامسة والستين من العمر ولآخر في الثالثة والثمانين، لا يترك مجالا للشك. بينما نرى أن الدماغ مكتنز ويملأ تجويف الجمجمة مع بعض الجيوب الطبيعية الممتلئة بالسائل عند الأصغر، نرى أنّ هناك ضمورا قد حدث مع التقدم في العمر أدّى إلى ابتعاد الدماغ عن جدار الجمجمة وتعاظم الجيوب الممتلئة بالسائل. 
هل هناك علاقة بين نسبة الضّمور في الدماغ وأعراض النسيان التي يعاني البعض منها مع تقدم العمر؟ نعم تقول الباحثة سوزان ريزنيك من المعهد لدراسة الشيخوخة في بالتيمور الذي يقوم بهذه الدراسات منذ عام 8591 دون انقطاع ويجري الآن الفحوص الدورية على ألف ومائة شخص يقدمون إلى المعهد مرة كل سنتين ليخضعوا للاختبارات الطبية والنفسية خلال يومين ونصف اليوم في كل مرة. 
نتائج الدراسة يجملها روبين أندرو، المشرف على الفحوص الطبية في المعهد، يقول: تبدو التغيرات التي يتعرض لها الجسم متشابهة عند جميع الأشخاص وإن اختلفت في حدّتها ومرحلة ظهورها. عدسة العين يزداد سمكها وتفقد من مرونتها، الأذن تفقد القدرة على التقاط الترددات العالية في البداية ثم يعقبها العجز عن التقاط الترددات المنخفضة، حاستا الشم والذوق يصيبهما الضعف والكلال أيضا، الجلد يرقّ ويترهل لأن الأنسجة التي تحته تفقد متانتها، العضلات تصاب بالضّمور وتتراكم الدهنيات، خاصة حول منطقة المعدة، العظام تتنخر والمفاصل تبلى، القلب تقل قدرته على ضخ الدم، سعة الرئتين تنخفض كثيرا والكلى تصاب بالضعف أيضا. ولا بد من التنويه هنا أن أكثر الأعضاء تعرضا للضعف هما الكليتان والرئتان ويبدو أن الطبيعة زودتنا بزوج من كل منهما لهذا السبب.
رغم هذه الصورة القاتمة، يقول روبين، هناك مكان للتفاؤل، بما أنّ جميع أعضاء الجسم تعاني من الضعف مع تقدم السن، هذا قد يعني أنّ هناك عامل واحد يسببها، فإذا استطعنا تحديده نكون قد أصبنا سربا من العصافير بحجر واحد. 
هذا ما حاوله دانيال رودمان في كلية الطب في فيسكونسين منذ سنوات عندما بدأ يحقن اثني عشر رجلا تتراوح أعمارهم بين الواحدة والستين والواحدة والثمانين تقدموا عن طيب خاطر ليحقنهم الباحث بهورمونات النمو ثلاث مرات في الأسبوع لمدة ستة أشهر. كانت النتائج تبعث على التفاؤل في البداية، ارتفع وزن العضلات بنسبة تسعة في المائة، انخفضت الأنسجة الدهنية بأربعة عشر وازداد سمك الجلد بسبعة في المائة، وهذا يعني إرجاع عقارب الزمن إلى الخلف ما بين عشر إلى عشرين سنة. لم تتكلل تجربة رودمان مع هؤلاء الرجال بالنجاح فسرعان ما أخذت تظهر عند معظمهم أعراض جانبية أهمها التهاب الأعصاب، أعراض تشبه أعراض السكري، نمو الثديين وغير ذلك. أضف إلى ذلك، عندما توقف حقن الرجال بالهورمونات، (بقيمة ما يقرب من سبعة آلاف دولار للشخص) عاد الرجال إلى سابق حالتهم.
بعد هذه التجربة توجهت الأنظار نحو هورمونات كتلك التي تفرزها الغدة الصنوبرية في الدماغ . يعتقد معظم الباحثين في هذا المجال أنه رغم التحسن الذي قد ينتج عن استعمال بعض الهورمونات في حالات بعينها، كاستعمال الإستروجين عند النساء للوقاية من تنخر العظام وأمراض القلب، فإن التغلب على أعراض الشيخوخة لن يكون مدخله من خلال هورمون واحد أحد.
ليس هناك حتى الآن أي دليل قاطع يجعلنا نجزم بأن إطالة الأعمار أمر مستحيل، يقول الباحث المعروف كاليب فينش من جامعة جنوب كاليفورنيا الذي أجرى دراسات شملت مئات الحيوانات، من الأفيال إلى الحشرات. بل العكس هو الصحيح، عندنا الكثير من الأدلة بأن ذلك ممكن وإن كنا لا نعرف الإجابة على كثير من الأسئلة في الوقت الحاضر. لنأخذ مثلا السيدة الفرنسية جين كالمينت من أرليه فإنه من الثابت أنها بلغت الثانية والعشرين بعد المائة وبقيت تدخن حتى قبل وفاتها بخمسة أعوام. لا شك أنّ هذه السيدة كانت تملك مزايا جعلتها تبلغ تلك السن، فإذا عرفنا تلك المزايا استعنا بها لنعممها لكي نطيل أعمار الآخرين.
يبقى أمامنا العقبة الأخرى يقول فينش، هب أننا استطعنا إطالة العمر، فهل يمكننا أن نتغلب على الضعف الذي يصيبنا مع الكبر؟
هناك فئتان بين الباحثين، فئة تميل إلى الإعتقاد بأن الشيخوخة، وبالتالي أعراضها، مغروسة فينا وراثيا والأخرى  تعتقد بأنها ناجمة عن التأكسد ، الضروري والمضر في آن واحد. الجواب، يقول فينش، قد يكمن في دراستنا لبعض الأحياء حيث نجد تفاوتا كبيرا في طول العمر أحيانا في فصائل مختلفة من النوع الواحد. هذا فأر الحقل مثلا يعيش ما يقرب من ثلاث سنوات. ماعز الجبل، أربع عشرة. الحمار، عشرون ،أما الفيل الأفريقي فإنه يعيش ثمان وأربعين سنة. أي أنه يبدو أن الحيوانات الأصغر جسما تعيش أقل، غير أنّ بعضها يشذ كثيرا عن هذه القاعدة، الجربيل (من الجرذان) يعيش ست سنوات، فهو في ذلك يستحق الدراسة لكون عمره يزيد كثيرا عن المألوف بين أشباهه  في الحجم.
لعل أكثر الحيوانات المستدعية للاهتمام هي بعض أنواع السلاحف وبالتحديد نوع  يعيش في الأنهار ورغم صغر حجمه فإنه يعيش أكثر من خمسين عاما والأهم من ذلك أنّ هذه السلاحف لا تتعرض لشيء من أعراض الهرم. لا ضعف ولا تراكم دهن في الجسم،وتستمر في وضع البيض حتى موتها، الذي ينجم عن مرض مهلك بسرعة أو حادث يطرأ لها . يقول الباحث ويت غيبونس: مهما طال عمر السلحفاة فإنها لا تعاني من أيّ من أعراض الشيخوخة. 
لماذا لا تشيخ السلحفاة ؟ الجواب قد يكون، أنّ السلحفاة مبرمجة وراثيا لكي تعيش أكثر وبدون أعراض شيخوخة. أول من جاء بهذه الفكرة في الستينيات كان ليونارد هايفليك عندما أثبت بالتجربة بأن الخلايا المأخوذة من حيوانات معمرة تنقسم وتتكاثر في أنبوب الاختبار أكثر من الخلايا المأخوذة من حيوانات لا تعمر طويلا، وكأن كل خلية تحتوي على برنامج يحدد عدد المرات التي يتاح لها الانقسام، أي أنه في كل مرة تنقسم الخلية هناك عدّاد يسجل رقم الانقسام وعندما يطابق عدد المرات العدد المحدد المغروس في الخلية تتوقف عن الانقسام، أي عن التجدد، أي عن النمو. السلاحف تدخل ضمن فئة قليلة من الأحياء التي تنفرد بهذه الخاصة، (من ضمنها بعض الأسماك)، هذه الفئة لا تتوقف عن النمو ما دامت على قيد الحياة. فهل تختلف برمجة خلاياها عن غيرها؟ أم أنّ السر يعود إلى عملية الأيض (التفاعلات الكيماوية في الخلايا الحية) التي يلعب فيها الأوكسجين الدور الأعظم؟ 
من المعروف أنّ إنتاج الحرارة في الخلية الحية يعود إلى تأكسد الكربون (الفحم) والهيدروجين. نتيجة لتفاعل الأوكسجين على نطاق واسع فإن بعض جزيئاته تتأيّن (تصبح مشحونة) وتبقى طليقة وإليها يعزو العلماء التلف الذي يصيب جدران الخلايا وأطراف المورّثات فتعيق أو تخل في انقسام الخلايا، ومن هنا يبدأ التقهقر في أداء أعضاء الجسم وتبدأ أعراض الشيخوخة بالظهور.
عمليات الأيض في السلاحف بطيئة كما هي الحال في جميع الحيوانات ذوات الدم البارد، فهل هذا هو السبب في  طول العمر عند بعض الضفادع والحيات والأسماك ؟ لا يمكن أن نقطع بذلك فهناك بعض الطيور تعمر طويلا رغم عمليات الأيض السريعة لديها. ولعل من سخرية القدر أن الكثير من الحيوانات التي قد تساعدنا دراستها على فهم أسباب الشيخوخة، تقل أعدادها باستمرار والبعض منها ينقرض نتيجة لقتلها بأيدينا أو نتيجة لإتلاف بيئتها الطبيعية، من قطع للغابات أو ما نطلق عليه مشاريع التطوير، والأجدر بنا أن ندعوها مشاريع التدمير لأن ضررها على المدى البعيد أكثر بكثير من نفعها، فعندما نفقد حشرة أو طيرا أو أي نوع من النبات فقد فقدناه إلى الأبد، وفي كل مرة ينقرض أحدها نكون قد فقدنا حلقة في سلسلة الحياة على الكرة الأرضية حيث الذي نجهله يفوق بكثير الذي نعرفه عنها.
إذا كان الاعتقاد بأن طول العمر يرتبط ببرنامج تحتوي عليه المورثات في الخلية الحية فهناك من يحاول أن يتأكد من صدق هذا الاعتقاد بواسطة إحداث تغيير في المورّثات في بعض أنواع الديدان الخيطية التي لا يتجاوز طولها الميليمتر الواحد. هذا ما يقوم به الباحث توم جونسون الذي أجرى تعديلا في أحد مورّثات تلك الديدان الخيطية فكانت النتيجة أن تضاعف طول عمرها من عشرين إلى أربعين يوما. 
تأثير الوراثة على طول العمر ليس بالجديد فنحن نعرف ذلك من قبل ولعل ما اكتشفه الباحثون عن ظاهرة ويرنير يثبت ذلك.
المصابون بهذه الظاهرة أو هذا المرض إن شئت، تبدو عليهم بوادر الشيخوخة في العشرينيات وقلّ من يعمر منهم أكثر من خمسين عاما. لقد تأكد أنّ ذلك يعود إلى تغير يطرأ على إحدى المورّثات (الجينات) التي تتحكم في عمليات الأيض وهذا يؤدي إلى إضعاف قدرة الخلايا على التجدد، وإذا تعطل التجدد سارعت أعراض الشيخوخة بالظهور.
إذا كانت عمليات الأيض تتحكم في طول العمر بمقدار أو بآخر فهل من شيء يستطاع عمله لنقلل من تأثيرها السلبي دون أن نغير شيئا في بنية المورثات ؟
نعم وبكل تأكيد، يقول الباحث ريك ويندروك، بما أننا لا نستطيع في الوقت الحاضر أن نتحكم في عمليات الأيض عن طريق تغيير بنية المورثات فإننا نستطيع أن نقلل من استهلاكنا للطعام لنمد في أعمارنا ونحافظ على صحتنا. لقد استطاع ويندروك أن يطيل عمر الفئران بمقدار النصف ! عندما خفّض استهلاكها للأغذية الغنية بالدهنيات والنشويات بنسبة ستين بالمائة دون المس بنسبة المعادن والفيتامينات. إنها الوسيلة الوحيدة التي أثبتت نجاحها حتى الآن في إطالة عمر الحيوانات اللبونة. رغم عدم إجراء دراسات شاملة على الإنسان فإنّ ويندروك على ثقة تامة بأن التقليل من استهلاك الأغذية الغنية بالطاقة كالنشويات والدهنيات يؤدي إلى إطالة العمر ويحافظ على نشاط جهاز المناعة  وبالتالي يؤخر أو يمنع ظهور الكثير من الأمراض كالسكري والسرطان وأمراض القلب وغيرها، بالإضافة إلى قدرة الشخص على ممارسة حياة حافلة بالنشاط دون أن يقع عبئا على غيره . 
تجارب مماثلة تجرى على قرود الرّيص (قرد هندي صغير)  منذ ثمان سنوات تعزز النتائج التي جاءت بها دراسة ويندروك وإذا أردنا إيجازها بنصيحة نقول: قلل من النشويات والدهنيات في غذائك إلى الحد الأدنى الذي يحتاجه الجسم ولا تنسى الفواكه والخضر الطازجة لما تحتويه من معادن وفيتامينات ومواد تقاوم التأكسد.
ترى ما هي أهمية النشاط العضلي في الوقاية من الأمراض وأعراض الشيخوخة ؟
الباحثة مريم نلسون من مركز دراسات التغذية البشرية في بوسطون تقول: نحن نقوم بدراسة تأثير التمارين الرياضية على مسنين كانوا يشكون من الضعف لدرجة أن معظمهم يستثقل صعود بضع درجات. شملت الدراسة ما يقرب من مائة من نزلاء أحد بيوت المسنين تتراوح أعمارهم بين الثانية والسبعين والثامنة والتسعين عاما. كانت النتائج مثيرة للدهشة، حيث استطاع معظمهم إعادة عقارب الزمن إلى الوراء أكثر من ثلاثين عاما، كل ذلك بفضل تمارين رفع الأثقال التي أعدت خاصة لتناسب قدراتهم البدنية.
تضيف السيدة نلسون: الكثير من أعراض الشيخوخة ينجم عن الكسل عن القيام بالتمارين والحركات اللازمة لتقوية العضلات وتنشيط الدورة الدموية وعن عدم تناول الغذاء الصحيح. من حسنات النشاط البدني المنتظم أنه يقوي العضلات، يحرق الدهن، يحسن أداء القلب والرئتين، يخفّض من نسبة السّكّر في الدم، يدفع الدم بغزارة إلى الدماغ ويزيد من كثافة العظام وصلابتها. ويجب التنويه بشدة إلى أنّ الذي يصح قوله في الجسم ينطبق على الدماغ، فقد أظهرت الدراسات بشكل قاطع بأنّ الذين يمارسون النشاط الذهني من قراءة أو لعب شطرنج وغير ذلك يحتفظون بذاكرة قوية مع تقدم العمر وتبقى علاقاتهم وثيقة مع الآخرين. الخلاصة، أنّ المحافظة على اللياقة البدنية والنشاط الذهني تجعل الإنسان قادرا على العطاء لمدة أطول وهذا مما يزيد في اعتزازه بنفسه ويرفع من معنوياته ويجعله سعيدا بل ويغدق السعادة والتفاؤل على الذين حوله.
وفي الختام يطيب لي أن أورد هنا ما رواه أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ في كتاب البخلاء عن أبي عبد الرحمن الثوري الذي أوصى إبنه وكان من جملة ما قال: 
“ أيْ بني، عوّد نفسك الأثرة ومجاهدة الهوى والشّهوة، ولا تنهش نهش الأفاعي ولا تخضم خضم البراذين، ولا تدِم الأكل إدامة النعاج. ولا تلقم لقم الجمال. واحذر سرعة الكظّة وسرف البطنة. وقد قال بعض الحكماء، إذا كنت بطينا فعد نفسك في المرضى. واعلم أنّ الشّبع داعية البشم وأنّ البشم داعية السقم. ولو سألت حذّاق الأطباء لأخبروك أنّ عامّة أهل القبور إنما ماتوا بالتخم. أي بني لم صفت أذهان العرب ولم صدقت أحساس العرب، ولم صحّت أبدان الرهبان مع طول الإقامة في الصّوامع، وحتى لم تعرف النقرس ولا وجع المفاصل والأورام إلا لقلة الرزء من الطعام وخفة الزاد والتّبلّغ باليسير. أي بني قد تجاوزت تسعين عاما، ما نغض لي سن، ولا تحرك لي عظم، ولا انتشر لي عصب، ولا عرفت دنين أذن ولا سيلان عين ولا سلس بول. ما لذلك من سبب إلا التخفيف من الزاد. فإن كنت تحب الحياة فهذه سبيل الحياة.”

جميع الدلائل تشير كما يتفق العلماء أننا سنستطيع أن نمد في الأعمار عاجلا أو آجلا، ويتساءل البعض: من الذي سيقرر طول عمر كل فرد منا؟ إذا استطعنا أن نطيل العمر دون أن نستطيع أن نعيد إلى الإنسان قدرته على الإنتاج فهذا يعني الحاجة إلى المزيد من الأيدي التي توفر العناية للمسنين واستنزاف موارد بشرية وتحويلها عن الإنتاج إلى الخدمة، فهل تستطيع المصادر التي نملكها أن تتحمل ذلك؟ في مثل هذه الحالة، ما هي الغاية من إطالة العمر؟. أسئلة كثيرة أخلاقية واقتصادية لا بد من الإجابة عليها.

مترجم عن مجلة “ناشيونال جيوچرافيك” مع إضافات للمترجم

عصام زكي عراف

معليا

الجليل الغربي





1 comment:

  1. الان افضل اسعار دار مسنين بالقاهرة والذي يشمل خدمات متعددة منها جليسات مسنين لكبار السن وايضا يوجد جليسات للذهاب و رعاية مسنين بالمنزل وتلبية احتياجاتهم كما يعتبر دار مسنين بالقاهرة من افضل دور المسنين لما يقدمه من طاقم من الاطباء في جميع التخصصات بالاضافة الى انشطة ترفيهية واجتماعية فيعتبر دار مسنين متكامل من كل شئ ويقوم على رعاية مسنين بمنتهى الامانة والاخلاص .

    ReplyDelete