البحث عن القبريش
سمعت عن شجرة القبريش في أول الأمر من صديقي العزيز نايف سليم الملقب بشاعر الفقراء ثم ورد ذكرها في رواية “فاطمة” لصديق عزيز آخر هو الكاتب محمد نفّاع وقد ذكر فيها أيضا شجر الحاحوم ولم أكن قد رأيت تلك الأشجار من قبل وأنا الذي قضيت الكثير من الوقت في الوديان والجبال المحيطة بقريتنا معليا ذلك أن موطن الحاحوم والقبريش يقع في أراضي بيت جن وهناك موقعا يسمى “خلّة قبريش” والخلة هي الأرض المنبسطة المنخفضة بين سفحين من سفوح التلال أو الجبال.
حيث أن الصديق العزير نمر نمر من قرية حرفيش من أكثر الناس اطلاعا ومعرفة بأسماء ومواقع نباتات بلادنا استقر رأيي أن استعين به للحصول على غصن من أغصان القبريش لتطعيم إحدى أشجار الزعرور الكثيرة الموجودة في أرضي فالقبريش من العائلة ذاتها أي عائلة الورديات أو التفاحيات ومنها التفاح على أنواعه والزعرور على أنواعه والإجّاص والقبريش.
وهكذا قصدت قرية بيت جن برفقة الأصدقاء نايف سليم ونمر ونمر يوم أمس الأول السبت وكان في انتظارنا هناك الصديق محمد نفاع ابن القرية والعالم بشعابها وأوديتها وجبالها وعيون الماء العديدة فيها.
بعد جولة دامت ما يقرب من ثلاث ساعات بين أحضان الطبيعة الساحرة في يوم دافئ من أيام آذار حيث الزهور المختلفة الأشكال والألوان تحييك كيف ما حولت نظرك يذكر لنا صديقنا نمر نمر أسماءها وصفاتها جلسنا بقرب “عين الورقة” المطلّة على مناظر خلابة حتى أقصى الأفق وهناك جلسنا لنتناول بعضا من طعامنا البلدي من عجة وفطائر من خيرات أرضنا أعدتها ربات البيوت بإتقان ومعها الرشاد والزيتون الأسود فكانت وليمة على البساط المخملي الأخضر لا أفخر ولا أشهى منها.
لم تكن تلك المعالم الساحرة فقط هي التي أثلجت صدري فقد سررت كثيرا وأكبرت اهتمام سكان بيت جن بأرضهم وعنايتهم الفائقة بها بأنهم شقوا الطرق في تلك الجبال لتيسير الوصول إلى أرضهم وأنهم لم يتركوا شبرا واحدا منها دون أن يغرسوه بالأشجار المثمرة على أنواعها المختلفة بعد أن بنوا الجدران العالية من الحجارة لحفظ التربة وهذا ما يدل على عشقهم لأرضهم وتمسكهم بما بقي لهم منها بعد أن سلبتهم الدولة أكثر من أربعة أخماس ما كانوا يملكونه من الأرض في ما مضى.
حب الوطن يعني الكثير من الواجبات ومنها معرفة تاريخه ومعرفة مدنه وقراه وسكانه ويعني أيضا معرفة نباتاته وحيواناته والحفاظ عليها وعلى كل ما يتصل بالبيئة الطبيعية لأن لكل نبات ولكل شجر خصائص وفوائد منها الغذائية ومنها الطبية ومنها ما يصلح للزينة أو لصنع بعض الأدوات كشجر السنديان الذي لا مثيل له لصنع أيدي الفؤوس والمعاول أو ورق التوت الذي كان أجدادنا يطعمونه لدودة القز لإنتاج خيوط الحرير عندما بدأت تربيتها في بلاد الشام خلال حكم الأمير فخر الدين المعني 1580-1634 واستمرت في الانتشار على نطاق واسع حتى نهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين.
هناك العديد من الطيور والحيوانات التي انقرضت خلال العقود الستة الأخيرة نتيجة للاستيطان الكثيف واستعمال المبيدات الكيماوية التي أبادت العديد من حيوانات وطيور بلادنا كالنسور التي كانت تعشش بكثرة في سفوح وادي القرن وغيره من الوديان ذات الصخور الشاهقة ومن الكواسر أيضا طير العقاب والغراب الأسود الفاحم وطير الشوحة هذا ما عدا العشرات من الطيور المغردة التي لم يعد لها أثرا بعد أن كانت تملأ المروج والجبال في كل مكان ولذلك وجب علينا أن نحافظ على البيئة الطبيعية ونمتنع عن تلويثها كما يجب علينا الامتناع عن صيد الحيوانات والطيور المهددة بالانقراض لأن حياة الكثير من النباتات والحيوانات متشابكة ويعتمد الواحد منها على الآخر بحيث يكون كل نوع عبارة عن حلقة في سلسلة الحياة الطبيعية التي ما زلنا نجهل الكثير عن أسرارها.
No comments:
Post a Comment