Wednesday 1 January 2014

دراسة الفيزياء

دراسة الفيزياء

أطلب المعرفة لأجل المعرفة وهي تجلب لك السعادة (قول يوناني).
عزيزي طالب العلم،
يحكى عن الفيلسوف اليوناني العظيم أفلاطون، ( 347-427 ق.م.) أنه كتب فوق مدخل مدرسته هذه العبارة:
" من يجهل الرياضيات لا يدخل من هذا الباب "
هذه العبارة هي الدليل على عظمة أفلاطون وعلى ثاقب نظره .  (أرجو أن تقرأ شيئا من كتاباته الكثيرة) .
" الكون مبني حسب نموذج رياضي ".  هذه الكلمات للفيلسوف والرياضي البريطاني المعروف بِرتراند رَسِل 
1970-1872   Bertrand Russell  .  بكلمات أخرى: " كل ما في الكون من أشكال وحركات يمكن وصفها بواسطة الرياضيات " .   
لعلك تتساءل ما الذي يجعلني أستهل المدخل لكتاب يعالج علوم الطبيعة بالتنبيه إلى أهمية الرياضيات، الجواب على ذلك هو أنّ الإلمام بالرياضيات هو المفتاح الذي لا غنى عنه ولا بديل له لدراسة علوم الطبيعة على فروعها المختلفة من هندسة وطب وكيمياء وفلك وغيرها.  من يدرس تاريخ الاكتشافات في علوم الطبيعة يجد أنها ترتبط ارتباطا وثيقا بتطور الرياضيات ولذا كان لا بد لي من أن ألفت النظر إلى هذه العلاقة المتينة بين الموضوعين.
" دراسة الرياضيات والطبيعيات من الأمور الصعبة ".  كلام يكثر ترديده بين الناس عامة والطلاب خاصة، فما هي الحقيقة؟
قبل أن أحاول الإجابة أود أن أورد أمامك نص رسالة بعث بها بديع الزمان الهمذاني، الذي كان من أئمة عصره في الكتابة، إلى ابن أخت له كان ينفق عليه من ماله ليتعلم.  كتب إليه:
" أنت ولدي ما دمت والدفتر أليفك والمحبرة حليفك،العلم شأنك والمدرسة مكانك، فإذا قصّرت، ولا أخالك، فغيري خالك، والسلام ".
ولا بد لي أيضا من أورد ما ذكره ضياء الدين بن الأثير هذا (وزير صلاح الدين الأيوبي) عن نفسه في كتابه 
" المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر " يقول، أنه بعد أن حفظ القرآن الكريم دأب على حفظ الحديث فاختار ثلاثة آلاف حديث نسخها بيده وأخذ يقرأها مرة كل أسبوع لمدة عشر سنوات دون انقطاع حتى حفظها جميعا عن ظهر قلب لا تفوته منها كلمة واحدة! وكان يحفظ الكثير من الشعر والنثر مما ساعده على أن يبلغ في كتابه المذكور ما لم يبلغه أحد قبله في نقد الشعر والنثر.
ويبقى السؤال، أين الحقيقة؟ الحقيقة هي أنّ الكسل والتواني والنّكوص يلد الفشل والجد والاجتهاد والعزم يلد  النجاح ولقد قال توماس إديسون 1931-1847 Thomas Eddison المخترع الأمريكي المعروف الذي سجل في حياته أكثر من ألف براءة اختراع:
" واحد في المائة من العبقرية يأتي من العقل وتسع وتسعون في المائة يأتي من العرق ".
من الطبيعي أن يواجه الواحد منّا شيئا من الصعوبة عندما نبدأ دراسة مادة لا عهد لنا بها من قبل، من الطبيعي أيضا أن تختلف هذه الصعوبة من فرد لآخر، قد يحتاج العازف على آلة موسيقية أن يعيد عزفها مئات المرات قبل أن يبلغ درجة الإتقان.  ما الغريب إذن في أن  يعيد الواحد منا قراءة مادة ما مرة بعد مرة حتى ينجلي له ما استغلق عليه فهمه منها؟ بالعزم والإصرار والمثابرة نستطيع أن نجعل من عقولنا شعلة متوهجة ندرك بها أسرار هذا الكون ونساهم في صنع حياة أفضل فالتطور السريع للعلوم يقتضي منا استمرار التحصيل حتى لا نصبح بمعزل عما يدور حولنا في عصر تيسّرت فيه وسائل العلم كما كَثُرَت فيه المهاوي التي تقود إلى الجهل.
 تذكّر دائماً أن العالِم يَقود والجاهل مَقود.  هذا القول ينطبق على الأفراد كما ينطبق على الأمم والتاريخ يشهد !     
تذكّر أيضا أن للعقل خاصة فريدة وهي: كلما تعلمنا أكثر كلما أصبح التَّعَلُّم أيسر أي أن الذي يقرأ ويدرس ويُجهِد عقله باستمرار في اكتساب المعارف والمهارات تزداد قدرته باطراد على كسب المعرفة وكلما كان ذلك أبكر كان أفضل  ومن يستسلم عقله للكسل والخمول يكون شأنه كمن أهمل آلة فيعلوها الصدأ فلا تعد تصلح للاستعمال..
لا أظنّ أن هناك إنسان عاقل لا تمر بذهنه بعض هذه الأسئلة أو غيرها:
كيف يتعاقب الليل والنهار؟
كيف تتولّد الفصول؟
كيف تتولد الحرارة في الشموس وكيف تصلنا؟
كيف يتكون المطر والصواعق والندى والرياح؟
كيف تعمل محركات البخار ومحركات الاحتراق الداخلي على مختلف أنواعها ؟
كيف يتم توليد الطاقة الكهربائية من مصادر مختلفة وكيف تعمل الأدوات الكهربائية المختلفة الأغراض؟ 
كيف تطير الطيور والحشرات؟ كيف تطير الطائرات، من نفاثة ومروحية، مجنحة وعمودية؟
كيف يتم إرسال الصوت والصورة عبر مسافات بعيدة بمثل هذا الوضوح؟
كيف تتولد الطاقة النووية من انشطار بعض الذرات أحيانا واندماج بعضها أحيانا؟
كيف يتم تصوير العظام والأعضاء الداخلية للجسم؟
كيف يعمل الحاسوب وكيف يُنظِّم ويوجه عمل الآلات العديدة ويتحكّم بها؟
كيف تنتقل قوة الجاذبية وبأي سرعة؟ 
لماذا تبتعد المجرات عن بعضها وهل سرعتها في تزايد أم نقصان؟
ما هو مجموع كتلة المادة الموجودة في الكون؟
هل هناك حياة على كواكب أخرى في الكون؟
هل سنتمكن من القيام برحلات خارج المجموعة الشمسية ومتى؟ 
تساؤلات لا حصر لها بعضها نعرف الإجابة عليه وبعضها لا زلنا نبحث عن الإجابة عليه.  ما أنجزناه حتى اليوم يرجع الفضل فيه إلى ما أحرزه علماء الرياضيات والطبيعة من اكتشافات على مدى العصور، ولعل أكثر ما يميز العصر الحديث هو كثافة الأبحاث وتشعبها بعد أن أصبحت الدول تتنافس لتحتل مكان الصدارة بواسطة إنجازاتها العلمية التي وفّرت لها القوة الاقتصادية والتفوق العسكري.    
من يتابع عن كثب ما يجري في السنوات الأخيرة يلاحظ أن عائدات الثروات الطبيعية لم تعد المصدر الوحيد الذي تعتمد عليه الشعوب إذ أنّ العائدات الناتجة عن التقدم العلمي أصبحت في المقدمة والبرهان على ذلك هو الأرباح العالية التي تحققها الشركات التي تنزل إلى الأسواق كل يوم باختراعات جديدة من برامج للحاسوب ووسائل اتصال وأدوات طبية وعقاقير جديدة وغير ذلك وهو يكاد لا يحصى.
كانت  الثورة الصناعية نتيجة طبيعية بل حتمية لتطور علوم الرياضيات والطبيعة في أوروبا وأتاحت لشعوبها من الأسلحة ما لم يكن معروفا في إفريقيا وآسيا فاجتاحت شعوب أوروبا القارات الأخرى ونهبت خيراتها وتلاعبت بمصير شعوبها ولا زالت المعاناة مستمرة في كثير من بلدان العالم التي قعد بها التخلف عن صيانة واستغلال مواردها الطبيعية والبشرية .
وفي ختام هذه الكلمة أود أن ألفت نظر الطالب والمعلم إلى أمر هو في غاية الأهمية والخطورة وكان يجدر بي أن أصدّر به كلمتي هذه ألا وهو إجادة اللغة.  اللغة ليست فقط وسيلة للتعبير بل هي أيضا أداة للتفكير.  كلما كانت ثروتك اللغوية أكبر كلما أتيح لك أن تعبر عن نفسك بوضوح أكثر وأن لا يلتبس عليك فهم ما تقرأه أو تسمعه.  ولعل أجمل وأدق ما قرأت في فضل البلاغة ما جاء في كتاب "البيان والتبيين" للجاحظ حيث جاء: 
"يكفي من حظ البلاغة أن لا يؤتى الناطق  من سوء فهم السامع ولا يؤتى السامع من سوء إفهام الناطق" 
فإذا فاتك فهم هذه العبارة فلا يهدأن لك بال حتى تحيط بمعناها.

      أتمنى لك دراسة ممتعة ومستقبلا زاهرا
  عصام زكي عراف
  معليا- الجليل الغربي

   

No comments:

Post a Comment