سيشكركم اليمين على حسن تعاونكم!
في بيان طويل يبلغ أكثر من ألف وستمائة كلمة نشره "أبناء البلد" جاء في ختامه:
إن دور حركة أبناء البلد كان وما يزال دوراً محورياً في رفع شعار المقاطعة وحشد القوى المختلفة من أبناء شعبنا حوله، ولنكن صادقين مع أنفسنا، أن حمل هذا الموقف بحاجة لتنظيم متماسك قوي قادر على نشره بين الجماهير ومستوعب للالتفاف الجماهيري حوله، الشيء الذي نفتقده، ولكن لا بدّ أن يكون على رأس أولوياتنا في المرحلة المقبلة إعادة بناء الفروع وتثقيف الكوادر لتكون قادرة ومؤهلة على حمل مشروعنا الاستراتيجي في بناء الدولة العلمانية الديمقراطية على كامل أرض فلسطين وعودة اللاجئين إليها، كحل عادل وواقعي لقضيتنا الفلسطينية بنت المئة العام، خاصة في ظل انقشاع وهم إمكانية حل الدولتين، نحن مدعوون اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى رص الصفوف وشحذ الهمم والنهوض بحركتنا لتكون حاضنة لبقية القوى من أبناء شعبنا وحلفائنا من اليهود الذين يلفظون الصهيونية فكرا وممارسة ويؤمنون كما نؤمن بأن الحلّ الواقعي والعادل لقضايا سكان هذه البلاد هو في إطار الدولة الواحدة، العلمانية الديمقراطية الاشتراكية.
نعم للدولة العلمانية الديمقراطية على كامل التراب الفلسطيني
نعم لعودة جميع اللاجئين إلى ديارهم
الحرية لأسرى الحرية
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار
معاً على الدرب"
قبل أن أناقش ما ورد في البيان ودرءا لأي تأويل أو تفسير مغرض أقول: الحقائق التاريخية التي وردت في البيان عن تشريد الشعب الفلسطيني واستلاب أرضه والاضطهاد الذي يلحق به هي حقائق ثابتة موثقة، لم يعد هناك من ينفيها أو من يشك في صحتها وقد كان لبعض المؤرخين من اليهود الإسرائيليين أمثال إيلان پاپِه، وآڤي شلايم وشلوموه زاند وبيني موريس (الذي ارتد على أعقابه) وهليل كوهين وغيرهم فضل كبير في نشر الحقائق التي فضحت المزاعم الملفقة وتشويه الحقائق التاريخية الذي ساد زمنا طويلا. كذلك أيضا حق العودة الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في الحادي عشر من كانون أول لسنة 1948.
"أبناء البلد"، يدعون المواطنين العرب في إسرائيل لمقاطعة الانتخابات للكنيست، حتى يعود جميع اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وتقوم في فلسطين دولة علمانية إشتراكية ديمقراطية ، من البحر إلى النهر.
"أبناء البلد" واثقون أن اليهود سيقبلون العيش طوعا في دولة علمانية، ثنائية القومية، سيكون اليهود فيها أقلية، حسب دراسات إسرائيلية، خلال أقل من عشر سنوات، تتحكم بها الأكثرية العربية، هذا دون عودة أحد من اللاجئين! ومع ذلك يزعم أبناء البلد أن هذا الحل "واقعي". إذا كان هناك من يعتقد حقا أن هذا الحل واقعي، أي أنه قابل للتنفيذ بموافقة طرفي النزاع، فلا شك أنه يعيش على كوكب آخر غير كوكب الأرض!
ما الذي سيحدث عندما سيصبح العرب الأكثرية في الدولة الثنائية القومية التي يثق "أبناء البلد" بقيامها؟
في مثل هذه الدولة ستكون رئاسة الحكومة للعرب، لأن عدد أعضاء الكنيست العرب سيفوق الستين، ولن يكون رئيس الحكومة بحاجة إلى تعيين وزير يهودي واحد في حكومته، ولذلك ستكون جميع الوزارات بيد وزراء عرب، وسيختار وزير الدفاع العربي رئيس أركان عربي لجيش هذه الدولة (ما اسمها؟)، وستكون الترسانة النوويّة تحت تصرف رئيس الحكومة ووزير الدفاع ورئيس الأركان وكلهم من العرب. كذلك الأمر في الصناعات العسكرية على اختلاف فروعها. أما قيادات الجيش من طيران ومدرعات وبحرية ومشاة وهندسة وغيرها، فإنها ستكون أيضا من نصيب العرب، ناهيك عن أجهزة الاستخبارات التي ستكون غايتها التجسس على اليهود الذين يعارضون هذا الكَيان الثنائي القومية . الشرطة والقضاء أيضا سوف يستعربان، وسيُلغى "حق العودة" الذي يطبق على اليهود خارج إسرائيل. نسي "أبناء البلد" الكرام أن ينشروا كلمات وألحان النشيد القومي الجديد، وشكل العلم الجديد للدولة العتيدة…
وزير الخارجية الجديد أيضا سيقوم بعزل جميع السفراء اليهود من مناصبهم وتعيين سفراء عرب ليحلوا محلهم.
الشركات والمصالح الكبرى أيضا، كشركة الكهرباء وشركة "مكوروت" للمياه سيستبدل مديروها وأعضاء مجالس إدارتها بعرب يعيّنهم الوزراء المسؤولون، وسيكون النصيب الأكبر من هذه التعيينات للفلسطينيين.
كل من له أذنان وعينان يعلم حق العلم أن هذه مجرد أضغاث أحلام، يزداد باطراد عدد اليهود من السّاسة والكتاب وفي طليعتهم رئيس الدولة شمعون بيرس الذين يحذرون من حل الدولة الواحدة لأن ذلك يعني نهاية الحلم الصهيوني. لذلك فإن هذه الذريعة للامتناع عن التصويت لا تقنع.
أمر آخر أيضا يستحق الاهتمام:
ليس سراً، أن "أبناء البلد" يشاركون في انتخابات السلطة المحلية، فما هي "الفتوى" التي تحلّل الاشتراك في الانتخابات المحلية وتحرّمها في انتخابات الكنيست؟ ألم تقم جميع السلطات المحلية بقرار من وزير الداخلية؟ لماذا نعترف بسلطة وزير الداخلية الذي يتقيد بالقوانين التي تسنها الكنيست، ونرفض أن يكون لنا صوت في الكنيست يحمل قضايانا وهمومنا ويطرحها أمام السلطة التنفيذية؟
ألا توجد العديد من السلطات المحلية المشتركة حيث يجلس العربي واليهودي في مجلس بلدي واحد يبحثان شؤون المواطنين جميعا؟
لو امتنع المواطنون العرب جميعا عن التصويت، استجابة لنداء "أبناء البلد"، فمن ذا الذي سيستجوب الوزراء ويسائلهم عندما تتخذ وزاراتهم قرارات مجحفة بحق المواطنين العرب أو عامة المواطنين؟
من الغبن أن نتجاهل ما حققه النواب العرب من إنجازات ومنها على سبيل المثال، إلغاء ضريبة الأملاك، الضريبة التي كلفت المواطنين العرب مبالغ باهظة دون أن يجنوا منها فائدة تذكر.
وما نقول عن الحصانة البرلمانية التي تتيح لعضو الكنيست الكثير من الحقوق والامتيازات ليستطيع التعبير والعمل بحرية لا تتوفر إلا لأعضاء الكنيست؟ هناك الكثير من المواقف المشرفة التي سجلها نواب عرب شرفاء ومخلصين ولا مجال لسردها هنا.
وجه آخر للقضية هو في غاية الأهمية: من الذي سيحل مكان النواب العرب في الكنيست؟ بحساب بسيط، باعتبار عدد النواب العرب عن الأحزاب والقوائم العربية هو عشرة في المائة من الأصوات، فإن الأحزاب الأخرى سيرتفع تمثيلها بهذه النسبة أي أن عدد نواب كتلة اليمين في الكنيست سيزداد بستة أو سبعة، وهذه خدمة جليلة يقدمها "أبناء البلد" لليمين في إسرائيل وعليها يستحقون كل ثناء من الأحزاب اليمينية.
الغريب في الأمر أن "أبناء البلد" ينادون بالديمقراطية التي لا أثر لها في ممارساتهم، فبعض الوجوه ما زالت في واجهة تلك الحركة منذ تأسيسها قبل أربعين عاما في أم الفحم.
من الجدير بالذكر أن التصويت في العديد من الدول إلزامي، ومن يتخلف عن ذلك دون عذر، يعاقب بغرامة مالية على الغالب، من هذه الدول على سبيل المثال لا الحصر: النمسا، الأرجنتين، أستراليا، فرنسا، وإيطاليا. ماذا سيقول أبناء البلد للمواطنين العرب إذا أصبح التصويت إلزاميا في إسرائيل؟
بإيجاز: الامتناع عن التصويت هو مكسب لليمين فقط!
عصام زكي عراف
معليا
الجليل الغربي
No comments:
Post a Comment