Wednesday 31 October 2012

الخيال العربي الجامح


الخيال العربي الجامح!


في يوم السبت، الثاني والعشرين من شهر أيلول لسنة  2012 نشر موقع الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواةwww.jabha.org، للمدعو أسعد موسى عودة، من الكبابير، تحت عنوان «تجليات لغوية»، ما يلي:

في التّرجمة / תִּרְגּוּם / Translation..!

هي في العربيّة والعبريّة من الجذر السّاميّ نفسه: «رجم»، رغم أنّها تظهر في المنجد في اللّغة في باب الرّباعيّ: «ترجم»، من الأصل «ترج»، بينما أوردها ابن منظور في لسانه في باب: «رجم». وترجمَ الكلامَ؛ أي فسّره بلسان آخر، ولا غرابة ولا استغراب في أن يُشتقّ هذا الفعل من هذا الأصل الّذي يعني، إجمالًا، الرّمي أو الإلقاء بالحجارة، إذا ما كنّا نُقرن – في تراكيبنا – الكلام بالإلقاء، فنقول: ألقى فلان كلمته، وكأنّه ألقى حجرًا.. لكن يكون الإلقاء – هنا – في الرّؤوس لا على الرّؤوس.. ثمّ أوَلَم يقُلْ الأستاذ جوزيف الهاشم، المشهور بزغلول الدّامور: «وْقوافي الشِّعِرْ بَعْمِلْهُنْ حْجارة...». كانت هذه إطلالة خاطفة على علم العلامة أو السّيميائيّة العربيّة؛ على رمزيّة اللّفظ ومدلوليّة المعنى.
أمّا الملاحظة الأهمّ فهي في التّرجمة الإنجليزيّة لكلمة «ترجمة» العربيّة: «تْرانْسْلِيشِن»، فكما أنّ حرفَيِ التّاء والرّاء هما ركيزة الكلمة في العربيّة وعمادها، هما كذلك في الإنچليزيّة، والأصل عربيّ / عبريّ / ساميّ، طبعًا؛ لكن، أيضًا، أرى أنّ الكلمة في الإنچليزيّة «نحت» أو «اشتقاق كبّار» من ثلاث كلمات هي: «تْرانْس»؛ أي تحويل، «لِي»؛ وهي اختصار لكلمة «لانْچْوِيدْج»؛ أي لغة، العربيّة الأصل، و «شِن»؛ وهي اختصار لكلمة «نِيشِن»؛ أي قَوْم، وأرى أصلها في كلمة «إنس» العربيّة؛ حيث يكون المعنى «الإجماليّ» للكلمة في الإنجليزيّة: التّحويل من لغة قوم إلى لغة قوم آخرين. فما رأي علمائنا؟! انتهى

عندما قرأت ما تفتق عنه ذهن هذا الكاتب النحرير والاديب القدير، خطر على بالي ما سمعته منذ سنوات خلت من العقيد معمر القذافي عندما كان لا يزال يجلس سعيدا على سرير ملك «الجماهيرية العظمى»، وأخذ يشرح للتلاميذ من المشاهدين أمثالي، مصدر ومعنى كلمة  Democracy  حيث اعتبر أن الأحرف الأربعة الأولى من الكلمة جاءت من كلمة «دهماء» أي عامة الشعب، والأحرف الأربعة الأخيرة تعني «كراسي» كلفظها، أي أن مصدر الكلمة هو من العربية وتعني «الدهماء على الكراسي»، وهذا هو نظام الحكم الذي استحدثه العقيد المعظم في الجماهيرية الليبية العظمى، فالجماهير هي الدهماء وهي التي تجلس على كراسي الحكم وستبقى كذلك إلى أبد الدهر. يبدو أن العقيد نسي أن يضع فوق تلك الكراسي التي كانت الدهماء تجلس عليها، ما يليق بقدر الجالسين عليها من المطارف والحشايا، فكان ما كان من مصيره ومصير أسرته الذي لا يحسدون عليه.
أمّا ما أتحفنا به أستاذ الجيل، السيد الجليل أسعد موسى عودة، فكان أجل وأعظم فقد قسم الكلمة الإنچليزية إلى ثلاثة أقسام وهذا فتح لغوي فريد لم يسبقه إليه أحد، علّه يخبرنا أي ملاك هبط إليه بهذا الوحي، لأن مثل هذا التأويل يستعصي على عقول العامة أمثالنا.
لست أدري ما الذي يحمل الكاتب «الفذ» على نشر مثل هذا التحليل وهذه الاستنتاجات العجيبة الغريبة، والأغرب من ذلك هو قيام محررة ذلك الموقع بنشر تلك «التجليات»، وكلمة تحرير تعني تحرير النص من العيوب اللغوية وغير اللغوية.
من الجدير بالذكر أن كلمة ديمقراطية تعني «حكم الشعب» وقد استحدثت في المدن اليونانية حوالي سنة 400 قبل الميلاد وقد صيغت من كلمتين هما:
ديموس δῆμος أي الشعب، وكلمة كراتوس  κράτος  التي تعني قوة أو تحكم فأصبحت ديموكراتيا  δημοκρατία ومنها انتقلت إلى اللاتينية فالفرنسية فالانچليزية وباقي لغات العالم.
أما كلمة language التي يزعم السيد عودة أنها من الكلمة العربية لغة، فإن مصدرها من الكلمة اللاتينية lingua ومعناها لسان، وكلمة translation  مصدرها لاتيني وهو translatum  المشتقة من الفعل transferre الذي يعني نقل الشيء من مكان إلى آخر، أو نقل الشخص من منصب إلى آخر.  أما التذييل tion الذي نراه في العديد من الكلمات الإنچليزية والفرنسية فإنه يستعمل لاشتقاق الإسم من العديد من الأفعال وهذا معروف لكل من له بعض الإلمام بالفرنسية أو الإنچليزية، ويلفظ بالإنچليزية «شن»، أما بالفرنسية فيلفظ «سيو»، وعلى سبيل المثال فإن كلمة liberation تلفظ بالفرنسية لِبِراسيو لأن الأحرف الصامتة لا تلفظ بالفرنسية إذا حلت في نهاية الكلمة،  وبالإنچليزية لِبِريشِن, كما أن كلمة nation تعود إلى الفعل اللاتيني nasci ومعناها يلد.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أنّ كلمة لسان أفصح من كلمة لغة وقد وردت كثيرا في الشعر العربي من الجاهلي حتى الحديث، كما وردت في القرآن الكريم، مثال ذلك:
«وما أَرسلنا من رسول إِلا بلسانِ قومه»، «وهذا كتابٌ مُصَدِّقٌ لساناً عربيّاً».
ولهذا السبب أطلق إبن منظور على معجمه إسم «لسان العرب» وليس لغة العرب ومصدرها لغو.
وفي الختام بودي أن أقول للكاتب وأمثاله، إن نشر مثل هذه الترهات يضر من وجهين وهما: إهدار وقت القارئ وتضليل من لا يستطيع تبيّن الصواب من الخطأ.
رحم الله عبدا قال خيرا فغنم أو سكت فسلم (حديث شريف).

عصام زكي عراف
معليا, الجليل الغربي

No comments:

Post a Comment