وبعض القول تضليل وبهتان
في الثامن والعشرين من شهر آذار المنصرم نشر موقع عرب 48 وقائع ندوة سياسية دعا إليها التجمع الوطني الديمقراطي في سخنين،حيث اشترك فيها «العشرات من أهالي سخنين وحضور شبابي لافت» كما ورد في الخبر.
هل من العسير على السيد المحترم ربيع عيد، الذي نشر الخبر، أن يحصي عدد الذين حضروا الندوة استجابة لدعوة التجمع؟ إذا كان عدد سكان مدينة سخنين قد تجاوز السبعة والعشرين ألفا، فإن عدد الذين استجابوا للدعوة لم يتجاوز ثلث الواحد في المائة في أحسن الأحوال، هذا إذا كان عدد الذين حضروا يقارب التسعين فردا، هل مثل هذا الحضور يعتبر نجاحا باهرا لمنظمي هذه الندوة السياسية؟ كم كان بودي أن تتسم أخبارنا بالدقة والأمانة.
والآن إلى كلمة أمين حزب التجمع السيد عوض عبد الفتاح:
عندما جاء على ذكر القوى السياسية التي بادرت ومهدت وعملت لتنظيم يوم الأرض، ذكر حركة الأرض وأتبعها بذكر الحزب الشيوعي مع اعتراف منه بالدور المركزي للحزب. هذا غبن لا مبرر له، كنت من الذين شاركوا واشتركوا في يوم الأرض الأول عام 1976 ومن الحق والإنصاف أن نقول أن الاشتراك الواسع للجماهير العربية في البلاد في يوم الأرض كان بفضل الحزب الشيوعي وصحيفته الاتحاد التي كانت وسيلة الإعلام الوحيدة التي استنفرت الجماهير العربية وحثتها على الاشتراك، فلماذا إذن يأتي السيد عوض عبد الفتاح على ذكره في المقام الثاني؟ يعترف بدوره المركزي ويذكره بعد حركة الأرض، ويشير أيضا إلى قوى وطنية أخرى ساهمت في الإعداد ليوم الأرض دون أن يذكرها. ترى من هي تلك القوى الوطنية الأخرى؟ ولماذا يجحد السيد عبد الفتاح فضلها ولا يذكرها بالإسم؟ أم أنها محاولة لا مبرر لها للانتقاص من فضل الحزب الشيوعي في النجاح الباهر في استقطاب الجماهير العربية في يوم الأرض الأول؟ إذا كان السيد عبد الفتاح من المؤيدين لمواقف حركة الأرض فهل هذا يعني ضمنا، أنه يؤيد دعوتهم لمقاطعة الانتخابات التي عمموها في بيان لهم قبل الانتخابات الأخيرة؟ من الجدير بالذكر أنني أظهرت زيف دعوتهم وبطلانها في مقال بعنوان "سيشكركم اليمين على حسن تعاونكم".
ما معنى قول السيد عبد الفتاح أن الحزب الشيوعي كان «مسيطرا» على الساحة السياسية في ذلك الحين؟ هل هذا يعني أن الحزب كان يسوق المواطنين، من عرب ويهود، إلى صناديق الاقتراع بالعصي والأسواط؟ أم أنه كان يحشو جيوب الناس بالمال لشراء الذمم؟ أو لعله كان يعدهم بالمناصب التي تدر سمنا وعسلا وجاها زائفا؟ أم أن النقيض من ذلك هو الصحيح؟ ألم تحاول الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة أن تفعل كل ما في وسعها باستعمال مؤسساتها المختلفة، واعتماد أساليب الترهيب والترغيب المتعددة لثني المواطنين العرب عن التصويت للحزب الشيوعي؟ ألم يتم إبعاد العديد من أعضاء الحزب عن قراهم ونفيهم إلى قرى بعيدة؟ كم من معلم فُصل من عمله لانتسابه أو لمجرد تعاطفه مع الحزب الشيوعي؟ ألم يتعرض الكثير من الشيوعيين للإقامة القسرية في قراهم ومدنهم؟ ألم يُحظر على الشاعر نايف سليم تشييع جثمان كريمته وفاء إلى مثواها الأخير الذي يقع على بعد عشرات الأمتار فقط خارج حدود قريته البقيعة, لأنه كان يخضع للإقامة القسرية التعسفية؟
كان للحزب الشيوعي الفضل في إرسال ما يقرب من ألف وثمانمائة من الطلاب العرب في إسرائيل، والمئات من أشقائنا من طلاب هضبة الجولان، للدراسة في الاتحاد السوڤييتي والدول الاشتراكية الأخرى في شرق أوروبا وألمانيا الشرقية، على نفقة تلك الدول، فهل هناك فضل أكبر وأشرف من هذا؟ كان لهذه البعثات خير الأثر في حياتنا من جميع النواحي، كما أنها اضطرت الجامعات في إسرائيل لفتح أبوابها لاستقبال المزيد من الطلاب العرب وذلك خشية التحاقهم بجامعات الدول الاشتراكية ثم عودتهم إلى البلاد كدعاة حق للمبادئ الاشتراكية وهذا ما كانت تخشاه السلطة في إسرائيل.
يذهب السيد عبد الفتاح إلى القول أن الحزب الشيوعي في تراجع لأنه آثر الشراكة اليهودية على الشراكة العربية، هذا محض افتراء أو جهل بطبيعة الأحزاب الشيوعية في جميع أنحاء العالم، لأنها تدعو إلى وحدة النضال لجميع القوى العاملة ضد الاستغلال والظلم الذي تمارسه الرأسمالية في صورها المختلفة من شركات عالمية أو محلية كبرى، أو صغار الرأسماليين على اختلاف طبقاتهم، لذلك من الطبيعي أن ينضوي تحت لواء هذا الحزب، اليهودي والعربي لأنه حزب أممي منذ نشأته وكان شعاره دائما: «يا عمال العالم اتحدوا». هل يمكن أن ننكر ما للشيوعيين واليساريين اليهود من فضل في النضال من أجل الفلسطينيين عامة والمواطنين العرب في إسرائيل خاصة، في الماضي والحاضر؟ لماذا يجب أن نستثني المواطنين اليهود من النضال مع العرب من أجل العدالة والحق؟
لو أقام فريق من الإخوة اليهود حزبا يدعو إلى حل عادل للقضية الفلسطينية وإنصاف المواطنين العرب في إسرائيل، فهل من عار يلحق بالمواطن العربي الذي ينضم لمثل هذا الحزب؟ لماذا إذن يعتبر السيد عبد الفتاح وجود المناضلين اليهود في الحزب الشيوعي مَذمَّة لأعضاء الحزب من العرب؟ نحن بأمس الحاجة لمزيد من اليهود الذين يرفعون أصواتهم ضد المظالم التي ارتكبت وترتكب بحق الفلسطيني في داخل البلاد وخارجها.
يقول السيد عبد الفتاح: «نريد لجنة المتابعة مؤسسة وطنية قوية، وأن يكون هناك برلمان عربي في الداخل ينتخب بشكل مباشر من الجمهور، ليكون له شرعية، كي نكون على قدر التحديات التي تواجهنا كأقلية قومية».
هذا استخفاف بعقول الذين حضروا الندوة وعقول القراء الذين قرأوا كلماته في وسائل الإعلام! ألا يعلم الأمين العام المحترم أن المؤسسات التي تتكون منها الأنظمة الديمقراطية هي ثلاث لا غير: التشريعية والتنفيذية والقضائية وبها تُصَرَّفُ شؤون البلاد والمواطنين، ما هي الصلاحيات التي تملكها لجنة المتابعة؟ هل هي تشريعية، أم تنفيذية، أم قضائية؟ ما هي «القوة» التي يريدها لها، آمل أن يفصل لنا ذلك.
أما البرلمان العربي الذي يدعو له السيد عبد الفتاح فهو أمر في غاية العجب ومنتهى الاستهتار بعقولنا نحن العرب في إسرائيل! أو أن حضرته يجهل معنى وأبعاد ما يتفوه به!
البرلمان أو مجلس الشعب يكون للدول ذات السيادة أو لولايات في اتحاد فدرالي أو مقاطعات تنضوي تحت راية دولة ذات سيادة ويقوم البرلمان بسن القوانين التي يتقيد بها المواطنون والسلطات في ذلك الكيان، بما في ذلك السلطة التنفيذية والسلطة القضائية، وهذا هو واقع الأمر في إسرائيل.
كان بودي أن يبيّن لنا السيد عبد الفتاح ما هو الكيان ذات السيادة الذي يمكن للمواطنين العرب الانضواء تحت لوائه؟ أين حدوده؟ ما هي مساحته؟ هل سيكون له جيش خاص به؟ هل ستكون له شرطة أيضا؟ ما هو نشيده الوطني؟ من هي الدول التي ستعترف به يا ترى؟ من سيعين السفراء لدى تلك الدول؟ وماذا ستكون مهمتهم؟ من أين تأتي سلطته التنفيذية التي تضمن التقيد بتلك القوانين التي يسنها ذلك البرلمان الوهمي؟ من ذا الذي سيعيّن قضاته ومن الذي سيدفع أجرة العاملين في «القطاع العام» المزعوم؟ من أين ستأتي الأموال اللازمة لإدارة هذا الكيان؟ هل سيكون لنا وزارة مالية لجباية ضرائب من المواطنين العرب فقط؟ أي قانون يخول هذا الكيان الوهمي جباية الضرائب؟ وإذا رفض المواطن الدفع، فمن ذا الذي سيرغمه على ذلك؟
سأكتفي بهذا القدر من الأسئلة، رحمة بالقارئ، عسى أن يجود السيد عبد الفتاح بإجابات، عَجِز عقلي المحدود عن الإحاطة بكنهها.
من المؤسف أيضا، افتخار السيد عبد الفتاح بإنجازات حزبه في الانتخابات والشماتة التي يبديها للهزيمة التي لحقت بالحزب الشيوعي. كنت قد نشرت مقالا بعنوان «لغة الأرقام ولغة الأوهام» وتناقلته بعض المواقع والصحف أبيِّن فيه بما لا يدع مجالا للشك أن جميع القوائم والأحزاب العربية مُنِيَت بالإخفاق في الانتخابات الأخيرة، حيث أن الارتفاع في عدد الأصوات لم يكن سوى الزيادة الطبيعية في عدد المصوتين وأن نسبة الذين أحجموا عن التصويت بين المواطنين العرب زادت عن الانتخابات السابقة، والأسوأ من ذلك أن نسبة الأصوات العربية التي حصلت عليها القوائم والأحزاب العربية في انتخابات سنة 2009 كانت 82٪ ، وقد انخفضت إلى 77٪ في انتخابات 2013 ، وهذا أمر في غاية الخطورة ويبدو أنه لم، ولن يحظى بالاهتمام المناسب، مع العلم أن الكاسب الأكبر من ذلك كانت أحزاب اليمين. وهذا دليل قاطع على إخفاق جميع القوائم والأحزاب العربية دون استثناء، في الانتخابات الأخيرة. لا مجال للتباهي والاختيال بإنجاز لم يكن إلا في الأوهام!
كانت نسبة الاجتياز في انتخابات الكنيست واحد في المائة من الأصوات الصالحة ثم ارتفعت إلى اثنين في المائة، وهناك من يطالب بمضاعفتها مرة أخرى لتصبح أربعة في المائة لأسباب تبدو وجيهة للغاية، كما أنها تخدم مصالح الأحزاب الكبرى، وعندئذ لا مناص للأحزاب والقوائم العربية من خوض الأنتخابات في قائمة واحدة وإلا زالت عن الخريطة السياسية في إسرائيل. فلماذا إذن ينقضّ العربي على أخيه العربي (ولا أستثني أحدا) بمخالبه وأنيابه بدلا من البحث عن سبل التعاون من أجل مجابهة التحديات والأخطار التي تواجهنا جميعا؟
عصام زكي عراف
معليا
الجليل الغربي
No comments:
Post a Comment