هل من سؤال؟
إلى الأخوات والإخوة العاملين في حقل التربية والتعليم:
مع بداية السنة الدراسية يعود إلى الأذهان ما نشرته بعض الصحف العربية والعبرية عن سوء تحصيل الطلاب العرب في إسرائيل، ومن أهمها أرقام نشرتها صحيفة هآرتس من قبل، في أوائل هذا العام أو أواخر العام المنصرم، عن دراسة شملت ما يقرب من مائتي مدرسة في البلاد ظهر فيها بوضوح أن الطالب العربي في حال لا يحسد عليها من سوء التحصيل. قد يلقي بعض الأخوات والإخوة باللوم على وزارات الحكومة المختلفة وعلى السلطات المحلية أو على الأهل وقد يكون الحق معهم في بعض ما يزعمون. لكن السؤال هو: إذا كان التقصير في حق الطالب يجيء من كل حدب وصوب أوليس هذا سببا كافيا لكي يشمر المعلمات والمعلمين عن سواعدهم ويبذلوا أقصى جهدهم من أجل التعويض عن ذلك التقصير من أجل مستقبل طلابنا الذي هو مستقبلنا؟
هذه بعض النصائح التي كنت قد قرأتها في أحد أعداد مجلة "The Physics Teacher” التي تصدر عن رابطة معلمي الفيزياء في الولايات المتحدة وكنت قد انتسبت إليها في أوائل السبعينيات من القرن العشرين مع إضافات من عندي اكتسبتها خلال سنواتي التسع في التدريس، وقد بذلت كل ما في وسعي لتطبيقها عندما كنت أدرس مادت الفيزياء في مدرسة تيراسانطا في عكا وأظن أن ذلك الأسلوب لاقى نجاحا لا بأس به.
هل من سؤال؟
إن الدروس التي تقل فيها أسئلة الطلاب أو تنعدم لا يمكن أن تكون الدليل على حسن أداء المعلم، النقيض هو الصحيح. عندما يمتنع أو ينقطع التلميذ عن التساؤل وطرح الأسئلة هناك ألف سؤال وسؤال يجب أن يطرحه المعلم على نفسه وأن يحاسبها بكل صراحة وجرأة لأن الاعتراف بالخطأ فضيلة والتمادي فيه رذيلة.
من الشائع أن السؤال عن شيء ما يدل على جهل السائل بذلك الشيء، فهل خطر على بالك أيها المعلم أن السؤال يدل على مدى الفهم؟
لعل أهم ما يحتاج إليه المعلم في أداء تلك الرسالة المقدسة التي يحملها على عاتقه هو أن يعرف كيف يسأل وكيف يجيب. الذي لا يقلّ أهمية عن ذلك هو إجادة توجيه التلاميذ إلى مزيد من التساؤل الذي يؤدّي بالتلاميذ إلى تعميق الفهم للمادة المدروسة وفي الوقت ذاته تكون تلك الأسئلة دليلا للمعلم على مدى استيعابهم للمادة التي يدرِّسها، ولنا في سقراط خير مثل فقد طبق ذلك الأسلوب منذ خمسة وعشرين قرنا.
من الواجب ألا تغيب عن ذهن المعلم الأسئلة التالية وهو يقف أمام تلاميذه:
1) كيف أحث الطلاب على التساؤل ومن ثم على السؤال؟
2) كيف أجيب على أسئلة الطلاب؟
3) كيف أجيب على الأسئلة لتي تبدو "سخيفة”؟
4) كيف أزيد من دقة ووضوح أسئلتي ؟
5) هل تؤدي أسئلتي إلى فهم أوسع وأعمق للمادة؟
6) هل أستطيع الإجابة عن أسئلة تبدو لي "تافهة” بحيث لا أُخجِل السائل وأجعله موضع سخرية وبذلك أكبت فيه الجرأة وأثنيه عن طرح الأسئلة؟
7) هل تزيد أسئلة التلاميذ أحيانا من فهمي للمادة؟
8) هل تؤدي أسئلتي إلى إفهام التلاميذ ما يحتاجون لفهمه؟
9) هل أستطيع أن أميّز بين سؤال يبحث عن إجابة وبين سؤال يُقصَد به عرض المعرفة؟
10) هل أشجع التلاميذ أن يجيبوا على أسئلة زملائهم بحيث يؤدي ذلك إلى حوار مثمر يشحذ الأذهان أم أنني أجيب بنفسي على جميع الأسئلة التي يطرحها الطلاب؟
11) هل أجيب حتى على الأسئلة التي أطرحها أنا؟
12) عندما لا تحضرني الإجابة على سؤال ما، هل تكون إجابتي: "آسف لعدم معرفتي الإجابة الآن، وسأحاول الحصول على الإجابة الصحيحة في أقرب فرصة ممكنة”. أم أنّ عندي دائما الإجابة لكل سؤال؟
13) هل أشعر فعلا بأنني تلميذ يسعى أبدا إلى توسيع معرفته وتعميقها؟
14) هل لدي الجرأة اللازمة لأن أعيد على مسامع التلاميذ القول التالي: "حاول أن تنقض كل ما تسمعه أو تقرأه لأن هذا هو السبيل الوحيد للوصول إلى الحقائق؟”
15) هل أنا مقتنع بأن الإجابة على سؤال ما قد تكون الفاتحة لأسئلة أخرى وليست خاتمة النقاش.
إذا تضمّنت الإجابة على سؤال ما للطالب على شيئ من السخرية أو الاستخفاف أو التقليل من شأن السؤال أو السائل فهي الشهادة الدامغة على تقصير المعلم وهي أقصر الطرق لكبت التفكير المثمر والمبدع عند التلميذ وهذا في حد ذاته جريمة حتى لو لم يكن هناك قانون يعاقب عليها!